الجمعة 29 أيلول 2000
-168-
لم يكن ممكناً تصديق ما حصل في شارع بلس، وأن تكو نتيجته جريحاً بالغ الإصابة واحتراق أربع سيارات، في “حادث مجنون على طريقة الأفلام الأميركية” كما وصفته “النهار” (منذ أيام) بكل دقة وصدق.
وما ليس ممكناً تصديقه، أن يكون حصل لا على أوتوستراد واسع، ولا في طريق قفراء، بل في شارع ضيق أساساً، ويزداد ضيقاً بتوقف السيارات فيه صفاً أول، وثانياً، وغالباً ثالثاً (أمام بعض المطاعم والمقاهي) حتى ليصعب المرور فيه خط واحد ضيق يكاد يتسع لمرور سيارة واحدة. مع ذلك حصل ما حصل، وجرفت السيارة بسرعتها الجنونية ما جرفت وخلّفت ما خلّفت من أضرار ورعب ونجاة أعجوبية.
هذا أمر نتوقف عنده بجدية، وبكثير من الأسى، بنطرح مجدداً بالصوت العالي، والغضب العالي والرفض العالي والقرف العالي معاً: أين شرطة ضبط المرور في شوارع العاصمة، كي لا نتوسع فنحكي عن شرطة المرور على الأوتوسترادات وفي باقي أرجاء الوطن؟ وإلى متى سنظل ندفع نمر على نواصي الطرقات والشوارع، فنرى الشرطي واقفاً ضجراً أو نعساً أو تعباً، يدخن سيجارته (معقول؟) كأنه على بلكون بيته، أو يتحدث مع رفيق له أو زميل أو صديق، أو يمشّي السير بطرف يده من دون أن ينظر إلى وجهات السير وأولويات ازدحامه، أو يقضم أظافره أو يتفقد… أنفه!؟
إلى متى سيظل السير عندنا خاضعاً لمزاجية سائق مجنون، أو لرعونة سائق شاب أهوج، أو لقلة مسؤولية سائق لا يتهيب القانون لأنه لم يصادف رجل شرطة يحاسبه بحسب القانون، أو هو مدرك سلفاً كونه فوق القانون لأنه يخص فلاناً أو يلوذ بفلان؟ وإلى متى سيظل السير سائباً (إلاّ من شرطيين ينظمون محاضر ضبط ممنوع الوقوف، أو يوقفون السياراتى استنساباً بعدما “بشرونا” بالرادار يضبط سرعة السيارات)؟
وهذا السائق الأرعن أو الطائش أو المزاجي أو الأهوج أو اللامسؤول، هل يتجاسر ويقود بالسرعة المجنونة الرعناء نفسها في بلد آخر، عربياً كان أو غربياً؟ لماذا إذاً يقود بهذه السرعة في بلاده؟ لأنه بكل بساطة لا يخشى المحاسبة، ويعرف أنه لن يفاجأ بشرطي يوقفه أو يحجز سيارته أو … يأخذ منه رخصة القيادة.
هذا الإهمال في شأن السير (وما أطول لائحة الإهمالات في شؤون أخرى) سيؤدي إلى كوارث أكبر بعد، لأن السائقين عندنا لا يخشون محاسبة شرطي يضبطهم مسرعين أو متجاوزين أو سائقين بدون حزام الأمان.
فكيف نصور لبنان للسياح “قطعة سما” وندعوهم إلى تمضية إجازة في بلد لا رادع على الطرقات، ولا قانون سير ينظم القيادة ويحدد السرعة، ويراقبها ويحاسب، ولا شرطي يأمن السائق إلى وجوده كي يأمن من الموت؟
حادثة شارع بلس، فلتتحول صحوة ضمير قبل أن تتفاقم رعونة شبابنا أكثر، فيحولوه، كغيره، شارع الموت.