169: لا جبين لنا بدون المرأة تاج هذا الجبين

الأحد 8 تشرين الأول 2000
-169-
احتفاؤنا الاثنين الماضي بالسيدة منيرة الصلح (لنيلها جائزة روز فيتز جيرالد كندي في واشنطن كـ”أفضل أم معوّق تخدم قضية المعوّقين”، وهي جائزة تعطى مرة كل خمس سنوات لامرأة رائدة في العالم) قادني إلى الكلام على المرأة اللبنانية التي هي منذ فجر التاريخ فخار للبنان وعنوان.
فهذا جان بيبلون (المؤرخ الفرنسي) يذكر أنْ حَكَمَت روما ذات فترة أربع “جوليات” لبنانيات، بينهن جوليا ممّا، وجوليا دُمنا (زوجة الأمبراطور سبتيموس ساويروس، ووالدة الأمبراطور كركلا)، وجوليا مزّا (شقيقة جوليا دما وجدة الأمبراطور اسكندر ساويروس). وهذه أوروب، أخت قدموس، يختطفها زوس فتقوم على اسمها قارة قال عنها فيكتور بيرار إن أمتها الأم ولدت هنا على شواطينا. وهذه إليسا، إليسانا، إليسا صور، تقلع من شطنا الجنوبي لتؤسس أمبراطورية قرطاجة، وفي خيالها مجد أمها العظيمة صور، هذه التي قال يذكرها بول موران: “إن صور وصيدا، ذات فترة من تاريخ العالم، كانتا كل تاريخ العالم”. وهذه الست نسب، سليلة الجبل اللبناني العريق، تحكم لبنان خمس سنوات في غياب ابنها فخر الدين، فتؤسس لبنان الذي جعله ابنها الأمير العظيم جبلاً عالياً في وجه الباب العالي، وافتدى بعنقه وطناً كرّسه أوسع من أن تؤطّره حدود الأرض، كرّسه وطن الجودة لا الكثرة، وطن النوعية لا العددية، وطن الطرائف والمواهب لا وطن الطوائف والمواهب لا وطن الطوائف والمذاهب.
هذه هي المرأة اللبنانية عبر التاريخ، بهاء المرأة في العالم وعنفوان الأميرات. هذه هي التي، حين ذكرها المؤرخ بيار هوباك في كتابه “قرطاجة”، قال عنها: “المرأة اللبنانية، لا خليلة، بل لتزفّ عروساً زوجة وربة بيت”.
وإذا جئنا من التاريخ السحيق والوسيط إلى التاريخ الحديث، فالمرأة اللبنانية رائدة في هذا الشرق، لا حقل إلاّ هي فيه زارعة، ولا ميدان إلاّ هي فيه فارعة، ولا اختصاص إلا هي فيه بارعة، ولا مملكة فكر أو ثقافة أو إنسانية أو اجتماع، إلاّ هي فيها ملكة ملكات.
المرأة اللبنانية، في تاريخ لبنان الحديث، عنوان آخر لحضارة لبنان. ولذا ننتظر، ونريد ألا يطول انتظارنا، حتّى يشيح هذا المجتمع الذكوري عن نظامه المتسلط، فنرى في مقاعدنا النيابية أكثر، بعد، أكثر، وفي مقاعدنا الوزارية جديداً حضارياً: نساءً لبنانيات رائدات، نحن واثقون أن لهنّ من القدرة والفاعلية ما ليس للكثير من النواب والوزراء.
لن أُعدّد أو أُسمّي. ففي كل مدينة عندنا وكل قرية وكل دسكرة، سيدة لبنانية كملكة النحل، تقود ورشة عمل ثقافية أو اجتماعية أو إنسانية، أو ترئس جمعية أو لجنة أو مؤسسة أو منظمة أو مجلساً أو دائرة أو مديرية، بأفعل والله من كثيرين كثيرين بين الرجال.
المرأة اللبنانية مثالية، فلا جبين لنا من دون تاجها على الجبين، ولا قلب لنا من دون نبضها في ثنايا القلب.
المجد للمرأة اللبنانية. والمجد دائماً وأبداً للبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*