الخميس 14 أيول 2000
– 166-
الأوساط السياسية، هذه الأيام، معجوقة بـ”الطبخة” الحكومية: من شكلها؟ ما شكلها: برلمانية، إكسترا برلمانية، مطعمة… ويتبارى الكثيرون بالتنظيرات والتكهّنات وطرح الأسماء، في بازار سياسي سيمتد شهراً بعد.
من كلّ هذه “الطبخة” يتهافت عليها “بيت بو سياسة” يهمنا اليوم أمر وزارة الثقافة.
فيا فخامة الرئيس: نعرف أن اللغط حولك عاصف، ومراجعيك عديدون، والمتدخلين والمستوزرين كثيرون. ونعرف أن تركيب الحكومة لم بعد قصراً على الرئيس وحده بل هو تقاطع استشارات ومجموع توافقات.
ولأننا نعرف ذلك، نرفع إليك الصوت أن تسري هذه القاعدة على الحقائب جميعها، إلاّ على وزارة الثقافة.
فهذه، سواء كانت حكومتك برلمانية أو مطعمة، لم بعد جائزاً أن يتولاّها إلاّ ابن وسطها. الوسط الثقافي، من يكون ذا تاريخ في تفعيل العمل الثقافي والنشاط الثقافي والرؤية الثقافية المبنية على مشروع ثقافي.
لا يكفي أن يتولاّها (إن كانت الحكومة برلمانية) نائب مثقف. فالفرق كبير بين وزير مثقف (ونعرف أن في المجلس الجديد نواباً مثقفين) وبين وزير هو ابن الثقافة مزاولة وإنتاجاً وعملاً ونشاطاً. تماماً كما يؤتى إلى وزارة الصحة بطبيب هو ابن الوسط الطبي مزاولة وإنتاجاً وعملاً ونشاطاً.
ومن الخطأ (عند تركيب “التركيبة” الوزارية) العمل على أساس أن وزارة الثقافة هي حقيبة هامشية ثانوية، كونها ليست وزارة خدمات ولا يمكن من يتولاّها أن يخدم عبرها جماعته. فأعمال وزارة الثقافة هي الأبقى بين الوزارات، لأن الدول الكبرى تستمر بالأعمال الإبداعية الكبرى التي لا تنتهي فاعليتها كما تنتهي فاعلية طريق مزفت، أو سنترال تلفون، أو مرسوم وزاري بتعيين موظّف أو بإنشاء مصنع.
لذلك يلزمها وزير هو ابنها وابن وسطها وابن تطلعات المثقفين الذين يجب أن يشعروا أن لهم فيها بيتاً ثانياً.
وزير إذا سئل عن مؤلّف أو فنان من لبنان لا يسأل مستشاريه هل هذا المسمّى مسرجي أم موسيقي أم رسام أم شاعر.
وزير لا ينتظر دراسات مستشاريه ومشاريعهم كي ينظر فيها، بل يكون هو أصلاً صاحب دراسات جاهزة للتنفيذ، ومشاريع ثقافية جاء أساساً إلى الوزارة كي ينفذّها لأنه أصلاً، قبل الوزارة، يكون ضالعاً في تفعيل النشاط الثقافي، وابن شبكة واسعة من العلاقات مع المثقفين، يعرف همومهم وتطلعاتهم ومشاريعهم وتصوراتهم لبناء لبنان الثقافة والحضارة، على أسس تجعل لبنان في الخارج منارة مشعة، بعيداً عن عنعنات السياسة الداخلية وصغائرها.
وزير (مع تقديرنا لما حققه الثلاثة السباقون، ولا سيما منهم “أبو يوسف”) يجعل من لبنان ورشة ثقافة يدرها هو، لأنه يكون أساساً ابن الورشة، ولأنه جاء منها لا ليشرف عليها بل ليكمل فيها عاملاً مع زملائه العاملين فيها.
يا فخامة الرئيس،
نأتمنك على وزارة الثقافة أن تبقى لأبناء الاختصاص فلا تدخل، كسواها في البازار السياسي لتوزيع الحقائب.