الخميس 17 آب 2000
– 161 –
كنا نتوغّل نهار الأحد الماضي في غابات عانوت الخضراء وبساتينها المثقلة بالخير، والحديث انتخابات، وجدل عقيم بين ديموقراطية نظرية على الورق، وإقطاعية أمر واقع على الأرض، ومضيفي الصديق الدكتور محمد علي موسى شديد الحماسة للإنسان في لبنان، حين بدرت منه كلمة لفتتني لاختصارها الوضع حين قال: “في ظلّ هذه الإقطاعية السياسية والقبلية، هذه ليست ديموقراطية. هذه ديموقطاعية”.
وبقيت هذه الكلمة ترن في بالي، فيما أشهد وأسمعه وأراقب ما يجري هذه الأيام.
فهي “ديموقطاعية” فعلاً، وعلى جميع المستويات، لا ينجو منها أحد بين جميع الناطقين “باسم الشعب اللبناني”.
إنها ديموقطاعية المال، ممتدة من أقصى لبنان إلى أقصاه، وبأشكال مختلفة بين السيولة النقدية و”الخدمات”.
وهي ديموقطاعية السلطة التي لم تستطع (لماذا؟) أن تقنع الناس في الشوارع والبيوت وفي نتائج استفتاءات البرامج التلفزيونية التي ما زالت تدل على أن أكثرية الناس الساحقة مؤمنة بأن هذه “انتخابات معلبة وموضبة سلفاً”.
وهي ديموقطاعية تركيب اللوائح التي تستبعد هذا (بعد وعود بأخذه) وتتبنى ذاك (بعدما كان مستبعداً) ولا مقياس ولا معيار سوى “الغامض” الذي هو مثل “راجح” جاء فسرق الضيعة و”ضلّو رايح”.
وهي ديموقطاعية المذاهب التي تدعي جميعها التعالي عن المذهبية بينما هي غاطسة في التمسك بها حتّى العظم.
وهي ديموقطاعية وسائل الإعلام التي باتت في هذه الأيام (يا عيب الشوم) ساحة مفتوحة لسلاطين الغاب (و”سلاطين” هنا بالمفهوم غير البشري) يتناتشون ويتلاطشون ويتناهشون بما يخجل أن يقوم به أبناء الغاب الحقيقيون.
وهي ديموقطاعية “الكجهول” الذي يتحكم في قدرة قادر على منع تطبيق القوانين المرعية الإجراء أو المتخذة في حق وسائل الإعلام أو الإعلان الانتخابي المرئي والمسموع، وأول الشاكين من هذا المنع هم أهل الحكم أنفسهم المفترض أنهم أصحاب القول (القول؟) الفصل (الفصل؟) في هذا الموضوع لأن السلطة (السلطة؟) في يدهم.
وهي ديموقطاعية الصور التي “تزابلت” حتّى لم تترك عموداً ولا شجرة زنزلخت ولا باب ماخور إلاّ ملأته بشاعة و”بوزات” وشعارات مقرفة من شدة بلاهتها وسطحيتها وفراغها.
وهي ديموقطاعية التكاذب والتجاذب والتلاعب، وكلها على اسم الشعب، وباسم الشعب، ومن أجل الشعب، وفي خدمة الشعب، والشعب يسمع، والشعب يمد لسانه، والشعب يضحك، والشعب يعرف أن هذا كلّه كذب وتدجيل وسط وعود تتبخّر بعد انعقاد الجلسة الأولى من المجلس النيابي المقبل، لأن من يصبح داخل مبنى ساحة النجمة يمسي أسير تحالفات وارتباطات وقرارات قد لا تحتاج منه، في أقصى الحالات، سوى رفع الأصبع.
أما الديموقراطية السياسية فتذوب في الإقطاعية السياسية لتصبحا، كما قال محمد علي موسى: “ديموقطاعية”.
وأما الوعود فتنتهي، كما انتهى أصحابها، “صوراً على حيطان”.