الخميس 24 آب 2000
– 162-
فيما يهرع الناس، هذا الأحد، والأحد التالي، إلى صناديق الاقتراع، لا يزال شبابنا يهرعون أفواجاً على أبواب السفارات، طاليبين تأشيرة دخول إلى أي بلد يستقبلهم، يحميهم، يلوح لهم في بصيص مستقبل مضمون.
أعود بالذاكرة إلى نحو ربع قرن، حين اجتمع المبعوث الأميركي دين براون بالرأيس سليمان فرنجية، عارضاً عليه تسهيل سفر المسيحيين من لبنان (المعنى الملطف لـ”ترحيلهم” أو “تهجيرهم”)، فانتفض رئيس الجمهورية يومها، بعنفوانه اللبناني، ونَهَر المبعوث الأميركي أن الاجتماع انتهى.
ذلك التهجير الذي لم يحصل يومها طوعياً للمسيحيين في لبنان، يحصل اليوم قسرياً لجميع اللبنانيين من مختلف العائلات اللبنانية، ومن جميع المذاهب والمشارب والطوائف، والمسؤولون لا يعنيهم هذا الأمر، وهؤلاء المرشحون الذين وسّخوا البلد بالصور والشعارات والتشاتمات المقرفة، يكيلون الوعود (الكاذبة طبعاً) وليس منهم من يلتفت إلى كارثة تفريغ لبنان من خيرة اللبنانيين، شباباً مواهب وطاقات، وليس منهم من يقدّم في برنامجه السياسي خطة تعالج موضوعاً خطيراً ملحاحاً: إيجاد فرص عمل لشبابنا كي لا يقفوا كالشحادين أمام أبواب السفارات.
هذا “الهجوم” المخيف على أعتاب القناصل، ينعكس سلباً على تصرّف سفارات في بيروت تعامل اللبنانيين وبفظاظة واستغلال (إحدى السفارات، مثلاً، تفرض على أصحاب الطلبات أن يدفعوا الرسم مسبقاً في مصرف معين محدد، ولا تعيد هذا المبلغ إلى أصحابه حتّى لو رفض القنصل أن يعطي تأشيرة الدخول، مما يشكّل كل يوم مبلغاً ضخماً للسفارة والمصرف معاً). وقد يلاقي هذا “الهجوم” تجاوباً في سفارات أخرى، فكأن تلك السفارات، ولو لم تقصد، تتواطأ مع التقصير الرسمي على تهجير شباب لبنان وتفريغه من نبضه الحيوي.
هذا التهجير الـ”دو فاكتو”، وما يولده بتفريغ لبنان من اللبنانيين، يقابله تهجير معاكس: تجنيس آلاف من غير اللبنانيين حملوا الهوية اللبنانية وسكنوا لبنان شرعياً، سارقين من مواطنينا الأصليين فرص العمل وسوق العمل وأتعاب العمل (من دون أن يتمّ تجنيس المتحدرين شرعياً من أصل لبناني)، فإذا بـ”مرتزقة شرعيين” ينافسون مواطنينا الشرعيين الذين يهاجرون أن يهجرون أو يتهجرون، وليس من يسأل، وليس من يتنبه، وليس من يتحرك، بل تنحصر هموم المسؤولين في قيادة معركة انتخابية يتنافس فيها من يريدون الوصول بأي ثمن، بأية طريقة متغاضين عن تفريغ لبنان من أبنائه الأصليين طالما في دوائرهم “مرتزقة” نعموا بالهوية اللبنانية ويدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
إنها مجزرة فاحشة في حقّ أجيال لبنان الحالية والمقبلة. فيا تعاسة وطن يصل فيه إلى المجلس النيابي مرشحون بأصوات غرباء عن وطنهم، حملوا جنسيته نتيجة عمليات مشبوهة وصفقات خسيسة.
مرشّح واحد، واحد فقط، يعلو صوته ليطلق الصرخة في هذا الاتجاه، صرخة العمل على أخصاب سوق العمل، صرخة العمل لإيقاف هجرة شبابنا، وليأخذ عندها لا أصوات وحدها، بل أصوات جميع دوائر لبنان.