الخميس 20 تموز 2000
– 156-
حين زرته في إهدن قبل ست سنوات (وكنت عائداً حديثاً من منآي الأميركي حيث قرأت عنه)، أخبرني أنه يهيئ كتاباً يثبت فيه أن يسوع المسيح ولد في لبنان. وقبل أن ألملم دهشتي المصعوقة، بادر إلى خزانته يفلش منها أمامي خرائط ووثائق (جميعها أجنبية) تثبت أن بيت لحم التي ولد فيها يسوع هي في لبنان لا في اليهودية.
يومها خفت عليه من يوضاسيي الداخل وفريسيي أهل البيت، أن يتنطحوا له ويفسدوا عليه نتائج أبحاث موثقة ومدعومة بالوقائع والأرقام. ثم أهداني كتابه “قانا الجليل في لبنان”، فقرأته وأيقنت أن هذا العالم متصلّب في رأيه العلمي، ولن يثنيه رادع، أيا كان، عن قولة قناعاته. وصدر كتابه “المسيح ولد في لبنان لا في اليهودية”، وقاله سعيد عقل “ثروة قلما أعطي لنبان أن يملك مثلها”، ومؤخراً أصدر المؤلف رداً مفحماً علمياً على منتقديه.
وخلته سيستريح بعد كتابه الضخم، فإذا به قبل أيام يرسل إليّ “موسوعة الذرة”، في ثمانية مجلّدات من 1968 صفحة (قطعاً كبيراً) مزودة صوراً ووثائق ورسوماً بيانية، عدا النص العلمي المكثّف على وضوح.
ماذا؟ 1968 صفحة عن الذرة والكيمياء؟ و… بالعربية؟
وإذا كان المؤلّف، الأب يوسف يمين، في أساس انطلاقته، مغامراً جريئاً في قولة الحق والحقيقة (وهو ابن الذي قال: “تعرفون الحق والحق يحرركم”)، فكيف يقدم مغامر آخر (صاحب دار “نوبيليس” الشجاع) على مغامرة من هذا النوع، هو الذي يعاني ما يعانيه من تسويق منشوراته (باشتراكات فردية وتقسيطات شهرية ودوران على البيوت باباً باباً لعرض الكتب وبيعها)؟ وما الذي ينتظره من تسويق موسوعة علمية بالعربية عن الذرة والفيزياء وتوابعهما؟
لا أريد تثبيط همة الناشر ولا المؤلّف. لكنني أرى المغامرة أكبر من ساحتها، والخطوة أوسع من مساحتها.
فلمن كتبت هذه الموسوعة يا أبت؟ لمساحة ثلاثمئة مليون قارئ لا يستهلكون كتاباً بثلاثة آلاف نسخة ولو في سنوات (إلاّ إذا كان كتاباً سياسياً يثير الغرائز الدفينة أو الفضول السطحي، أو كتاباً في الأبراج أو في الرياضة)؟
إلم تقرأ ما قاله (في “النهار”- السبت 18 آذار 2000- صفحة 11) كاهن آخر جليل مثلك، هو المطران جورج خضر: “ماذا ينفع ما نكتب؟ ومن يقرأ؟ العرب أميون. شعبنا لا يقرأ. فلمن نكتب؟”.
صحيح يا أبتِ، عقلي معك وقلبي عليك: لمن كتبت- بالعربية- كل هذه الموسوعة؟ أما كان أجدر بك لو كتبتها بلغة يستهلكها ملايين (قراءة لا عدداً ديموغرافياً وحسب)، فتبدأ فوراً ترجمتها إلى لغات عالمية أخرى؟
لا لأنتقص من أهمية العربية وما تمثل ومن تمثل، فهذا بديهي، بل لأنتقص من قراء بالعربية باتوا يشيحون عنها إلى شاشة تلفزيون تقدم لهم مباريات رياضية في ثقافة القدمين (الفوتبول) أو ثقافة الزنود (الباسكت بول) أو سخافة الغباء (برامج ألعاب وحزازير) مما يكشف كم في شعبنا سطحيون وأميون وجهلة وفلّينيون (نسبة إلى الفلّين).
ونظرة واحدة إلى إحصاءات معارض الكتب، تريك يا أبت، يا بونا يوسف يمين، أن موسوعتك العلمية الرائعة ستزحف طويلاً على رفوف المكتبات ومعارض الكتب، ما سوى لأنها مكتوبة بلغة… لم بعد أبناؤها يقرأون.