الخميس 27 تموز 2000
-157-
فيما كان المجلس النيابي يختم أمس ولايته الحالية بجلسة اشتراعية أخيرة أقرّت دمج مجالس ووزارات، كنا نفكّر بالثقافة ووزارة الثقافة. وفيما كانت نقاشات تدور قبل فترة حول استحداث وزارة جديدة للشباب والرياضة، وصدرت توصية اللجان النيابية المشتركة بإلغاء فكرة الوزارة والإبقاء على المديرية العامة ضمن وزارة التربية، كنا نفكر بالثقافة ووزارة الثقافة. وفيما كان الكلام، منذ أشهر، يدور على دمج للوزارت وتذويب وزارة الثقافة إلى مديرية عامة ملحقة بالتربية، كنا نفكر بالثقافة ووزارة الثقافة.
نعم. لا تزال وزارة الثقافة (وستبقى) هاجسنا كمثقفين، وكمواطنين معنيين بشأن وزارة أنشئت كما لتمنين المثقفين، وتعاقب عليها ثلاثة وزراء حتّى الآن، ولا تزال حتّآ اليوم من دون هيكلية مصدق عليها (وهي جاهزة، إلاّ من إضافات “محاسيب” بيت بو سياسة). وهذا يؤكّد أن إنشاء الوزارة لا يعني دوماً إرادة الدولة في الاهتمام بموضوعها، لأن الأساس قرار سياسي في تفعيل قطاع معيّن عن طريق تفعيل وزارته. ويبدو في رأس اهتمامات المدير العام الجديد الدكتور عمر حلبلب العمل على ملاحقة تصديق الهيكلية.
هل هذا الكلام ينطبق بهذه السلبية على وزارة الثقافة؟ ربما لا، فالوزارة ليست إلى هذه الدرجة المأسوية من التقصير، بل هي- بإمكاناتها الشحيحة الممكنة والمتوفّرة لها- تقوم بأعمال محمودة، وأحياناً ممتازة.
على أننا، والكلام اليوم كلام دمج وفصل وإنشاء، كنا نتمنى لو يصار إلى فصل التعليم العالي عن وزارة الثقافة، كي لا تتحمل الثقافة وزر أثقال جامعية عدة تعترض وزيرها. فعندما أصدرت الحكومة أرقام الموازنة الحالية، واسغربنا الرقم الشحيح المعطى لوزارة الثقافة، قيل لنا في الوزارة يومها إن قسماً كبيراً من المبلغ، على الشح الذي فيه، يذهب إلى الجامعة اللبنانية، كون الوزارة معنية بالتعليم العالي ورواتب الجامعة ومصاريفها الطائلة.
لم نفهم أصلاً، من كان صاحب فكرة الدمج (!) بين الثقافة والتعليم العالي. وطالما أن الوزارة ليس لها على الجامعة اللبنانية سوى سلطة وصاية، فما نفع أن تكون الوزارة إذاً مسؤولة عن الاهتمام (كي لا نقول مرهقة) بالتعليم العالي، وما في هذا القطاع من إضرابات متواصلة ومطالبات وملحاحة ولوائح لا تنتهي بسلسلة الرتب والرواتب، وشؤون تعليمية عالية أخرى تلهي وزير الثقافة عن الاهتمام كلياً بالشأن الثقافي إدارياً وإبداعياً.
وما دامت وزارة التربية تختص بالتعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، فلماذا لا تكمل اهتماماتها بالتعليم العالي كذلك، ويصبح اسمها، مثلاً “وزارة التعليم”، وتبقى وزارة الثقافة للثقافة فقط ومشاريعها الأبقى من كل مشاريع؟
أن حكماً يرى الثقافة هامشاً، ووزارة الثقافة ثانوية، ستبقى حكومته قاصرة عن تقدير أن الإبداع الثقافي في وطن هو عنوان آخر للوطن، وهو الذي سيبقى ناصعاً بعدما يخبو مع الأيام كل أثر لذلك الحكم وتلك الحكومة.
وزارة الثقافة وحدها، بلا أي ملحق آخر بها، ووزير متفرّغ من أهل الوسط الثقافي، ويعود لبنان، رسمياً وشعبياً ونتاجاً، إلى الخارطة الثقافية العالمية أقوى مما هو الآن، وتكون له وزارة ثقافة أقوة من كل من وزارات الخدمات.