الخميس 15 حزيران 2000
– 152-
مع نهاية هذا الشهر يلملم المدير العام لوزارة الثقافة الأديب محمد ماضي وثائقه وأوراقه، ويغادر مكتبه منصرفاً في بيته إلى التأليف والكتابة، تاركاً سلك الوظيفة لبلوغه السن القانونية.
والمتتبعون سيرة محمد ماضي الوظيفية (مديراً عاماً بالوكالة لوزارة السياحة طوال 11 عاماً، ثمّ مديراً عاماً للثقافة) يشهدون لاحترافيته الإدارية الحاسمة والحازمة (“بمناقبية عالية وإخلاص شديد في العمل” كما وصفه الوزير محمد يوسف بيضون في مقدمة كتاب “منابر الثقافة”)، مما جعل أداءه الإداري ناصعاً ومثمراً، وخاصةً ذا استقلالية لافتة عن كل جهة أو فئة. كان المثقفون يشعرون بأن خطوطهم مفتوحة معه، وبابه مفتوح مباشرةً لهم، فلا يضطرون إلى استجداء وساطة من أحد للوصول إليه، بل يشعرون أنه لكل واحد منهم ولجميعهم في آن واحد.
والآن، ماذا بعد محمد ماضي، الإداري والثقيف معاً؟
المرشحون لهذا المنصب الدقيق كثيرون. وفي التداول أسماء مختلفة، بعضها في السرّ وبعضها في العلن. لكننا لم نسمع بأي منها ذي علاقة مباشرة بالثقافة كفعل ورسالة وممارسة ثقافية ميدانية. فالذين تناهت إلينا أسماؤهم، قد يكونون إداريين جيدين، وموظفين مخلصين، وتقنيين موثوقاً بهم في توقيع المعاملات والإشراف على تسيير النفقات. لكن هذا لا يكفي. لم يتناه إلينا اسم واحد لمن هو من الوسط الثقافي، أو من يوجعه الهم الثقافي، أو من هو صاحب رؤية ثقافية أو شارك في وضع رؤية ثقافية أو أسهم في نشاط ثقافي أو هيئة ثقافية أو عمل ثقافي.
ولو! إلى هذا الحد باتت إدارة الثقافة ثانوية كي يؤتى لها بمن ليس سوى موظّف ذي “شفافية ونظافة كف”؟
أن يؤتى لها بوزير من غير أهل الثقافة، فأمر مفهوم، لأن المنصب أصلاً سياسي، ويتبوأه من يملأ معادلة سياسية أو طائفية أو مذهبية أو انتمائية محلية ضيقة ذات حسابات سياسية لبنانية ضيقة. نفهم هذا الأمر ولا نعلّق عليه، لأننا يئسنا من الأمل الطوباوي أن يأتينا وزير ابن الوسط الثقافي، ولأن الوزير أساساً غير ثابت، تطيحه معادلة سياسية مناوئة لتلك التي جاءت به.
لكن المدير العام باق، وهو الرئيس المخطط للوزارة. لذا من الضروري أن يكون لا إدارياً صالحاً وحسب، “شاطراً” في تصريف الأعمال اليومية، بل ملماً بالشن الثقافي. فعدا كون وزارة الثقافة مقبلة على ورشة القمة الفرونكوفونية سنة 2001، وعدا مواصلتها ورشة بيروت العاصمة الثقافية الدائمة، يجب أن تثبت كونها وزارة رئيسية لا ثانوية. ولا من يجعلها كذلك إلاّ مدير عام يكون ناشطاً ثقافياً متمرساً ذا وزن ثقافي فاعل قبل أن يأتي مديراً عاماً.
هذا طبعاً، كي لا نتحدث في بداهات الأمور، كأن يكون- إلى مهارته الإدارية- مستقلاً فلا يأتي نتيجة فرض هذه الجهة أو تلك الفئة فيرتهن لها، وأن يكون لبنانياً في قيادته الثقافية، منفتحاً على التيارات والآخرين، إنما متمسكاً بالجذور والثوابت، ملماً بالأمور الثقافية وطاقات المثقفين، كي يجعل الثقافة في لبنان بترول لبنان الحقيقي.
هكذا، أو فسيكون مديراً عاماً روتينياً هامشياً لا وزن له، يجعل من وزارة الثقافة ثانوية هامشية.