الجمعة 2 حزيران 2000
– 150-
إذا كان ضرورياً أن يلتزم منظمو الاحتفالات (الثقافية تحديداً) بالبدء على الوقت، وتنبيه خطبائهم إلى ضرورة عدم “اجتياح” الجمهور بالإطالة البليدة التي تجعل نهاية الاحتفال مطاطة، ومثاراً لاشمئزاز الحاضرين وتأففهم وتأخرهم عن مواعيد لاحقة، فالضروري بالمقدار نفسه، وربما أكثر، أن يلتزم الحاضرون من “الجمهور الكريم” أدبيات، إن لم يراعوها بقينا من سكان العالم الثالث والثلاثين.
منهم الذين يصلون متأخرين عن بداية الاحتفال، ويزعجون الجالسين بالمرور بين الصفوف، مما يخلق زحزحة في الكراسي، وبلبلة في الصالة تزعج من يكونون على المنبر، وتبلبل التركيز في إصغاء الجالسين.
والذين يصلون متأخرين، ويصرون عند وصولهم على تحية البعض من أصدقائهم ومعارفهم، ومصافحة البعض الآخر، حتّى تضيع في الصالة كل مهابة لما يقال على المنبر.
والذي (خاصة من السياسيين “شهيرين” وناشئين) يصلون (عمداً؟) متأخرين، ويصرون على الجلوس في الصف الأول، مما يخلق إحراجاً لدى المنظمين كي يوجدوا مقعداً فارغاً في الصف الأول بعد بداية الاحتفال مع ما يرافق ذلك من اشمئزاز الخطيب أو الخطباء على المنبر.
والذين يصلون متأخرين، حاملين معهم جلبة وضحكاً وفوضى، مما يلفت الجالسين في الصالة فيستديرون ويستطلعون ويتأففون، ويضيع تركيزهم على ما كان يقال.
والذين- رغم تنبيه مدير (أو عريف) الاحتفال إلى ضرورة إطفاء أجهزة الهاتف النقال داخل الصالة- يصرون على ترك أجهزتهم مفتوحة، ترن غير مرة، وفي كل مرة يترددون في أن يفتحوا الأجهزة بكل وقاحة و”يمدوا” حديثاً يزعج كل من حولهم في الصف قربهم، وربما في القاعة كلها.
والذين يحلو لهم أن يخرجوا في منتصف الاحتفال، “لارتباطهم بموعد”، مسببين إزعاجاً لمن في الصف معهم.
والذين يخرجون، في أثناء الاحتفال، كي يدخنوا سيجارة في قاعة أو بهو أو مدخل، ويكون في صدر الحائط أمامهم لافتة “يرجى عدم التدخين”.
والذين يخلقون، حيث هم جالسون، فوضى بتعليقاتهم الجهورية، أو بالتحدث إلى جيرانهم، أو بقراءة جريدة، أو حتّى بالغطيط نياماً، وأحياناً… شاخرين.
هذه الـ”أدبيات” في حضور الاحتفالات، لا تزال تنقصنا وتباعدنا عن الجمهور الأوروبي أو الأميركي سنوات ضوئية يجب أن نختصرها ونعود إلى أدبيات الشعب المتمدن المستاهل القرن الجديد.
للمنبر وخطبائه والخطابة عليه أدبيات؟ صح.
لكن لـ”الجمهور الكريم” أدبيات كذلك أجدى وأجدر، هي التي تميز شعباً يليق به إصغاء المنبر وحضور المسرح وسماع الموسيقى، عن شعب يعلك الادعاء الأجوف ويمضغ قشور التفاهات السطحية.