الخميس 25 أيار 2000
– 149-
انطلاقاً من المسابقة التي أطلقتها “لجنة حقوق المرأة اللبنانية” (بنشاط مميز من رئيستها السيدة ليندا مطر)، حول رأي تلامذتنا الثانويين في اختيار بيروت عاصمة ثقافية للعام 1999، أرسل وزير التربية إلى الثانويات الرسمية تعميمها (رقم 9/2000) حث بموجبه الأساتذة على تشجيع تلامذتهم للاشتراك في هذه المباراة. وتلقت اللجنة عشرات المسابقات من جميع المناطق اللبنانية، خصصت لها لجنة تحكيمية من الخبراء للنظر في مستوى مسابقات المدارس.
وفي أسئلة المسابقة: الرأي الشخصي في اختيار بيروت، الرأي الشخصي في النشاطات التي أقيمت، تقويم ما سيبقى من تلك النشاطات بعد انتهاء السنة الثقافية، الرأي في ما لم يحصل وكان يجب أن يحصل، هل كان دور المرأة كافياً في ما جرى، وما كان يمكنك فعله لو كنت على رأس المسؤولية عن الثقافة في لبنان؟
اللافت في المسابقات المقدمة أن معظم تلامذتنا برهنوا عن وعيهم وطنياً وثقافياً، وعن تعلّقهم الشديد بلبنان وانتباههم إلى دور بيروت الثقافي قياساً بدول المنطقة، مما يشير إلى أنهم (وهم تلامذة البكالوريا بقسميها) واعون الوضع الثقافي أكثر مما كنا نتصورهم واعينه، وهم مدركون خاصة ظاهرة تقليص دور المرأة في ما جرى.
كما بدا أنهم متابعون جيدون للنشاطات التي أقيمت في سياق “بيروت عاصمة ثقافية”، مع أنهم لم يحضروا منها سوى النزر اليسير بسبب ظروفهم أو بعدهم عن العاصمة (ولاسيما تلامذة الجنوب والشمال)، غير أنهم تابعوها من وسائل الأعلام المقروءة والمرئية، وشددوا على ضرورة الإنماء المتوازن بين المناطق في النشاطات الثقافية.
ويلفت لديهم أنهم أدركوا النواقص التي كان يجب تداركها، وأنحوا باللائمة على المسؤولين الثقافيين الذين لم يكونوا مهيأين في شكل واف لمواجهة حدث ثقافي كبير في هذا الحجم (قياساً بما جرى في فايمار، مثلاً، وهي كانت عاصمة ثقافية لأوروبا)، ومع أنهم يعذرون، جزئياً، أولئك المسؤولين على الشح في ما أعطي لهم من موازنة كي ينفذوا برامج قوية، ظلوا على اعتقادهم بإمكان تهيئة برامج أفضل لتلك السنة الثقافية.
وكان ممتازاً جواب التلامذة عن سؤال لو كانوا مسؤولين ثقافيين في الحكم ما كانوا نفذوا وكيف كانوا تصرفوا، لأن في جوابهم إدراكاً للنواقص الحاصلة في الوسط الثقافي وفي الأداء الثقافي الرسمي، منذ أنشئت وزارة الثقافة، مما أشار إلى وعيهم الدور الثقافي الذي يمكن أن يلعبه لبنان في المنطقة، وما يمكن أن يتم تفعيله من نشاطات ثقافية عالية المستوى ولو قليلة الكلفة. وبدا من تلك الأجوبة أن لدى أولادنا رؤية ثقافية يمكن أن تتفعل أكثر مستقبلاً حين يبلغون سن المشاركة الفعلية في الحكم.
أهمية هذه المسابقة (رغم ضعف اللغة عند الكثيرين من تلامذتنا، بسبب إهمال أساتذتهم أو عدم كفاءاتهم، وبسبب مدارسهم التي تعمد إلى ترفيعهم بدون حساب قاس)، أنها نبهتنا إلى ما تفكر فيه أجيالنا الجديدة، على المستوى الثقافي كما على المستوى الوطني.
فلنحسب لهم حساباً جدياً، هؤلاء الذين نرصد الوطن غداً على تسلمهم مقدرات لبنان.
ولننتبه إلى ما نسلمهم من أمانة، لينتبهوا هم غداً كيف يتصرفون بها ليصنعوا مستقبل لبنان.