115: ذاك النهار في عانوت

الخميس 9 أيلول 1999
– 115 –
إلى عانوت، مرة ثانية.
ما أعذب أن يشدك المكان، حتى يغدو جزءاً من أحلامك بالعودة إليه.
فبعد ذاك المشوار الأول (“كومباكت”- “نهار” 15/6/1999) اكتشفت خلاله ظلالاً جديدة من لبنان العافية، والمكان الذي قطفت منه اللبنانية الأولى زلفا شمعون (1956) فكرة فولكلور مهرجانات بعلبك، دعانا الصديق الدكتور محمد علي موسى إلى نهار “عانوتي”، آخر.
وبالحفاوة التي يهتف لها القلب قبل الذراعين، كانت جلسة عند شقيقه نديم، تظللنا أشجار السنديان الباسقة، ينتثر تحتها عقل محفوفاً بجورج شكور وأنطوان الحاج، الرفيقين الدائمي الوفاء، وينتثر الياس حنا الوزير السابق والصديق الدائم والثقيف العذب، ومحمد ماضي تلآتي إلى المديرية العامة للثقافة من أناقة الأدب وحذاقة الإدارة، والياس الرحباني الفنان المكتنز مواهب شاسعة الآفاق، وشوقي زيادة الإداري مهنة والمترحبن سياقاً، ومحمد توفيق صادق الذي يليق به شاعراً مديرية عامة نتمناها تثبت له، ومنذر الحجار شاعراً بالعامية الأنيقة، وتنثر سيدات “الأوديسيه” ألكسا برجي ومنى غزال ورشا نجار مضيفات مع عقيلات الحاضرين أنوثة الجو والحضور.
وتحلو جلسة “جلساء”، يتصدرها شاعر لبنان بأطروحاته التي لو تعممت على جامعات لبنان لكان لنا جيل من الوعي الحضاري يغدو درعنا في مواجهة المستقبل. وأطروحاته، إلى الشعر والأدب وهو في هذا العصر من هو فيهما، تشمل الفكر والسياسة والاقتصاد، من تواطؤ اليهود على الانغراز في خاصرة المنطقة، قبل مئة عامة من اغتصاب فلسطين، إلى اعتماد “القومية العربية” حجة لهم كي لا يعود الفلسطينيون فلسطينيين يطالبون بأرضهم بل عرباً يتوزعون على دول الجوار، إلى حديث اللغة والحرف، إلى عطاءات لبنان اللبناني، إلى جديده الصادر حديثاً: مسرحية “عشتريم”، القداس الماروني، وديوان “حكمة من فينيقيا” بالفرنسية (“أزرار” 107- “نهار” 16/7/1998)،…
وبعد وليمة الفكر، وليمة الجسد في دارة نديم، فوليمة أخرى للفكر في باحة محمد علي، تحت أشجار الحور والسنديان والأرز، حيث المطلّ الرائع من إقليم الروب على أقاليم الجمال المحيطة، ليكون نهار من فريد ما تحفظه الذاكرة فتستعيده في صفاء، ويختزنه العقل فيغنم من أصدائه.
ذاك النهار في عانوت، رشّ عليه محمد علي موسى أطايب ثقافته الموسوعية وأدبه، حبذا لو يحدث مثله في صفوف الأدباء، مناقشة وأبحاثاً تغيب عنها السياسة الراهنة فيحضر الفكر العالي عن الآنيات.
عانوت مرة ثانية؟ ويا طيبها تتكرر، في ضيافة من يعرف كيف يطرز بأدبه نبل الصداقات.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*