الخميس 29 تَموز 1999
– 109 –
نفهم أن يلجأ معلن إلى استعارة جمل موسيقية من لحن معروف يجعلها خليفة عند الترويج (الإذاعي والتلفزيوني) لبضاعته. وإن تكن هذه الطريقة رخيصة ومؤذية للحن وفيها استغلال.
ونفهم أن يبادر المعلن إلى ما يترتب عليه من واجبات لـ”الساسيم” (جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان)، حتى يكون مغطى “قانونياً” باستخدام اللحن وإيصال حقوق المحلن إليه عبر “الساسيم”، لاستخدام لحنه الرائج أو بالأحرى لـ”استغلاله”. على أننا لا نفهم مطلقاً أن يبادر معلن (بل مكتبه الإعلاني الذي يخطط وينفذ) إلى موضة استعارة لحن معروف لملحن معروف ويعمد إلى “تركيب” كلمات على ذاك اللحن ترويجية لبضاعة يرغب المعلن في “إنزالها إلى الأسواق”.
من ذلك مثلاً ظاهرة “البطش” بلحن شهير من سيد درويش (“الحلوَه دي”) وتركيب كلمات عليه ترويجية لماركة من الدجاج والفراريج، وإن يكن اللحن موزعاً بطريقة فنية متقنة.
سيّد درويش بيّاع فراريج؟ أإلى هذا الحد من الاغتصاب بلغ المجتمع الاستهلاكي؟
نفهم أن يكون اللحن أصبح من “الحقل العام” وشاعت حقوقه (بانقضاء المدة القانونية) فلم يعد لورثة صاحبه حقوق في استخدام اللحن، ويكون الموضوع سليماً من الناحية القانونية. لكن الأمر ليس في صلاحيته القانونية، بل في بادرته “الخلقية” التي تستحرض لحناً شائعاً فتحوله إلى إعلان فراريج. وماذا لو بادر غداً معلن كريم إلى استعارة لحن من عبد الوهاب لترويج ماركة أحذية، أو لحن من الأخوين رحباني لترويج فوةطة صحية للنسوان؟
نفهم أن يعمد معلن إلى استعارة صوت مذيع رياضي لترويج بضاعته، أو معلن آخر إلى استعارة وجه لاعب رياضي. هذه في الرياضة، وهي تحتمل مختلف المستويات.
أما أن يصل إلى الفن، والفن العالي (بعدما باتت ألحان الإعلانات رهيصة، وكلمات الإعلان تافهة، خاصة حين أصحابها على تقديمها بالزجل وزناً وقافية، وبإلقاء شاعري أبله) فأمر لم يعد مسموحاً (خلقياً على الأقل). أن عندنا ملحنين ناجحين أثبتوا جدارتهم حتى في وضع ألحان الإعلانات. فلماذا لا يستعين بهم المعلن، ويسهم بذلك في كسب لحن ناجح لبضاعته يردده الناس، ويسهم من جهة أخرى بتحريك الدورة الاقتصادية لدى الملحنين اللبنانيين الناجحين؟
هذه الظاهرة (كتسليع جسد المرأة ترويجاً لبضاعة) فلتتجند لها الأقلام، لا سخطاً على المعلن (أو مكتبه الإعلاني) بل تنبيهاً إلى “خلقية فنية” توفر على سيّد درويش مثلاً يصبح… بيّاع فراريج.