السبت 24 تَموز 1999
– 108 –
ليس أدلّ على جهل فئة معينة في شعبنا، من برامج الأسئلة العامة في الإذاعات، يتبين خلالها المشتركون فارغين تماماً من الثقافة العامة إلى الحد المخجل الدنى، إجابة عن أسئلة بديهية سهلة بسيطة في الأدب أو التاريخ أو الجغرافيا أو المعلومات العامة.
وما يكشف هذه الفئة من “المستعمين الأحباء”، نوع الأغاني التي يطلبونها في نهاية إجاباتهم، فإذا هي من مجموعة أعمال “صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي”، التي جعلت الأغنية اللبنانية تغرق بتفاهاتهم ومستواهم المتدني يملأون بها سهرات يقصدها هؤلاء الفارغو الرأس والثقافة، حين لا ينخرعون أمام التلفزيون ساعات طويلة من النهار والليل، يتابعون برامج تافهة أو أفلام عنف أو مباريات في ثقافة القدمين (كرة القدم) أو ثقافة الزنود (كرة السلة أو الكرة الطائرة)، ولا يفكرون في الانقلاع من أمام الشاشة ليتناولوا كتاباً يغذي بعض ثقافتهم الضحلة.
هذه الفئة من الناس (وهي أقلية) لا تمثل الشعب اللبناني مستوى ثقافياً. والدليل على ذلك: هذا الكم الرائع من الفرق والفنانين الأجانب، الموزع على مهرجاناتنا الدولية في بعلبك وصور وجبيل وبيت الدين وصيدا وسواها من زوغة مهرجاناتنا هذا الصيف، والكثير من حفلاتنا تنفذ بطاقاته سلفاً حتى يضطر المسؤولون (عند الإمكان) إلى تمديد العرض ليلة إضافية لتلبية الإقبال.
هذا هو المعيار الحقيقي لمستوى ثقافة الشعب اللبناني. فالآلاف الذين ملأوا المدينة الرياضية (بافاروتي) و”فوروم بيروت” و”بيروت هول” لحضور كبار الفنانين الأجانب (كاريرا، دومنغو،…)، هم الذين يعرفون أن لبنانهم يستقطب أحداثاً فنية عالية يقصدها الناس في الغرب من بلد إلى بلد، فيما هي اجتمعت (هذا الصيف مثلاً) على أرض لبنان في مسافة زمنية ضئيلة.
وفيما تكسد أسطوانات كثيرة لمطربي القهاوي والمطاعم (رغم البوسترات الكبيرة على نواصي الطرقات والساحات، ورغم الفيديو كليبات على الشاشات الصغيرة)، مما يعني إشاحة القسم الأكبر منجمهورنا المثقف عن تلك الفئة من الأصوات الهابطة (كلاماً وألحاناً وأداء)، نجد مثلاً شركة “فيرجن” تصدر طبعة ثالثة من أسطوانة الياس الرحباني الأخيرة (“روندو”) وليس فيها سوى الموسيقى المنوعة بين هادئ ورومنتيكي وحديث وراقص. وهذا يدل على أن نوع الزقفة والدربكة والإيقاع الأبله الذي بات متكرراً في جميع الأغنيات “الجديدة” يمجه الذوق العام ولم يعد يقنع أحداً.
شعبنا اللبناني الطليعي بين دول المنطقة، معياره آلاف مثقفين يقصدون الأعمال الفنية الراقية، لا مئات جهلة ينخرعون لأعمال تعكس أميّتهم في أجوبة مخجلة عن مسابقات الإذاعات.