الخميس 15 تشرين الأول 1998
– 68 –
هل من كلام، بعد، على شعر “مهجري”، بعدما استنفد أعضاء “الرابطة القلمية” جميع ما يقال في “مهجرية” الشِّعر، خاصة مذ عاد نعمية إلى لبنان (1932) وانتفت عن قلمه كل “مهجرية”.
خلال رئاستي تحرير “الهدى” النيويوركية من 1989 حتَّى احتجابِها (8 أيار 1992)، كانت تصل صاحب “الهدى” الصديق الكبير فارس أسطفان قصائد من صديقه يوسف روحانا، كم كان يحرص عليها وعلى اهتمامنا بها، حتَّى اشتققنا لها زاوية أسبوعية في “الهدى” سَمَّيناها “الروحانيات”.
وكنت آنس إلى تلك القصائد، وأحبّها تحملني إلى لبنان الذي أمضيت كل سنواتي الأميركية في نوستالجيا دائمة إليه. وكم كنت أفرح بالحديث الهاتفي مع الشاعر يوسف روحانا، ينقلني بصوته الجهوري ونبرته الشمالية (هو من “سبعل” ضيعة كبيرنا الآخر أسعد السبعلي)، حتَّى اعتدنا على الهاتف أن يسمعني قصائد له غير التي يرسلها إلى “الهدى”، فاكتشفت فيه شاعراً كبيراً لا يقل رقة ونضارة وجزالة لقاموس شعري عن أي شاعر مقيم من كبارنا في الشِّعر العامي.
فالصورة في شعر يوسف روحانا، نقية واضحة، والحنين متجذّر في ريحة تراب لبنان، والتذكارات لا تفارقه (وهو على عتبة الثمانين)، وسلاسة كلماته من السهل البسيط الجميل العذب، وعباراته لبنانية جبلية أصيلة لا غبار مسافات فيها، حتَّى لكأنه يكتب كل واحدة من قصائده تحت سنديانة مباركة في سبعل.
بلى، شاعر لبناني كبير، يوسف روحانا، ولعلّه الوحيد الباقي (أطال الله شباب ثمانينه) يقال عن شعره “مهجري” بكل مواصفات الشِّعر المهجري التي يعرفها الشعراء والأكاديميون والنقاد.
وحين كنت أمدّه من نيويورك إلى أنديانابوليس حيث يقيم (ولاية أنديانا) ببعض “مهجرياتي” (من سلسلة مقالاتي “رسائل المنأى” في “النهار” عن “بحيرة الليمون- فلوريدا)، كان يطرب لها، كأنه ليس في أميركا، بل كأنه في سبعل ويقرأ حنيني إلى وطني من وراء الأطلسي.
من سندياناتنا اللبنانية في أميركا: يوسف روحانا وعناقيد شِعره المهجري.
زادنا الله من كرومه المباركة.