الخميس 22 تشرين الأول 1998
– 69 –
أخيراً… مي منسى بين دفتين.
لكَم كنا ننتظر أن تضم كتاباتها دفتان، هي التي منذ ربع قرن تنشر ياسمينها بين أعمدة “النهار”، فتظل أوراق الياسمين تحت رحمة الريح تذروها في كل اتجاه.
من زمان، نحن نرجو هذه الزنبقة الشفيفة أن تحفظ عطرها في قمقم، وهي كالبنفسجة الرقيقة تستمهلنا إلى الموسم المقبل.
أخيراً… ها هي بين دفتين.
“أوراق من دفاتر شجرة رمان”، شاءتها “رواية”، وسرعان ما استدركت أنها “ليست سيرة ذاتية ولا حكاية واقعية، ثم أقرّت بأن “بعض أليافها مستمد من أحداث جرت ووجوه عبرت”. ونروح نحن نرافق قلم مي، النقيّ قلم مي، يرسم ملامح أم وشقيق وهيلانة وزمرد وياسمينة ويوسف وسعدى وذكريات عن بيت تطل نافذته الختيارة من كوة في غلاف الكتاب، وتفوح حديقته بين الصفحات بأشجار الليمون والأكي دنيا والقراصيا والحنبلاس والحكي الذي ما زال معلّقاً على جدار الذاكرة.
في قسم أول من 13 فصلاً، وقسم آخر من 16 فصلاً، ومقدمة اعترافية وخاتمتين (أولى في أول الكتاب والأخرى في خاتمة تجمع بينهما شهقة مطلع واحد: “كان في عكس الضوء…”)، نسجت مي أوتوبيوغرافيا دقيقة التفاصيل كما لو انها غزلتها بصنارة صوف واحدة، قطبة حد قطبة، في عناية مرهفة مثلها، بيضاء مثلها، حيية مثلها، ولا تخلو، عند الخفقة الموجعة، من صرخة تحمل وجع الأمومة والأخوة والبنوة.
بكل فرح استقبلنا كتاب مي منسى، ونأمل أن تواصل، فتخرج من أعمدة الجريدة إلى وساعة الكتاب، من الآنية التي تعيش أربعاً وعشرين ساعة (هي عمر الجريدة) إلى الديمومة التي هي عمر الكتاب.
مي منسى، بين أقلامنا، أرجّ خاص، ننتظره يكتب عنا، يكتب لنا، وفي الحالتين يكتب منا، فنخاف عليه لأننا نحبه، نحبه كثيراً. ولذا لا نحب لها أن يكون “ما جرى كذبة، كابوساً”، بل صحوة من حلم شهدناه يتحقق، حتَّى نعود، نحن هذه المرّة، نلقي برأسنا “على قش البيادر”، ونحلم بالكتاب التالي، ونحن ننام… “في ضوء القمر”.