الخميس 13 آب 1998
– 59 –
غداً فيروز.
غداً سيكون لنا، في ست حفلات مضيئة، أن نستعيض عن ليل أربعة وعشرين عاماً من العتم.
غداً إلى ذائقتنا المشتاقة تعود رعشة الجمال الحقيقي من ثالوث فيروز- عاصي- منصور، الذي كم كانت حياتنا مختلفة لولا وجوده في حياتنا وتراثنا وإرثنا الوطني.
غداً، سيعود التوازن إلى ذاكرتنا الجماعية بعدما هجمت عيلها عناكب الموجات الساقطة فأفسدت جيلاً لم يشاهد ما سنشاهده بدءاً من مساء غد في هيكل جوبيتر الذي بات هيكل فيروز.
غداً سنجلس مسحورين أمام صبية جسر القمر المسحورة، ومبهورين أمام غربة تواجه فاتك المتسلّط قاهر شعب جبال الصوان، ومسرورين أمام ناطورة المفتيح زاد الخير تتحدى الملك غيبون.
غداً نستعيد لبنان الفن العالي مجداً بناه عاصي ومنصور، وأطلقه صوت فيروز الأسطوري نجمة إلى كل الدنيا، نستعيده بالتقنية نفسها التي شهدناه بها منذ مطلع الستينات، واحترافية واثقة يضفيها الناس الرحباني على إدارته الفرقة الموسيقية وبأغنيته الجديدة، وزياد الرحباني بمناخه المغاير، ونستعيده بعودة أنطوان كرباج، إيلي شويري، جوزف ناصيف، وعلى وقع كوريغرافيا سامي خوري وتماوج ملابس غابي أبي راشد.
غداً يكتشف المخرج الإيطالي دانييلي أبادو (تكليفه كان اقتراحاً من السيدة فيروز) كم أن تواصل اللبنانيين الخرافي مع نجمتهم الفريدة يفوق كثيراً ما خطط له في أعمال مسرحية أخرى، وسيضيف بعلبك فيروز إلى رأس أعماله وسيرته الفنية.
غداً صوتها يشق العتمة: “… وطُلَّيت عَ بعلبك بعد عشرين سنِه”، فترتعش شرايينا، ويكمل: “إسأل إذا شافَك حدا، تَ يدلّني”، فيرتعش الدمع في مآقينا، حتَّى إذا ختمت هي: “لا تقول منّك هون، بعدو عَ الدراج خيالك… وبعدا طايرَه فيك الدني”، نلمحه ملوحاً من فوق الستة الأعمدة، على جبينه العبقري وهج قمر معلّق في صحو هياكل بعلبك، فنعرف أنه… عاصي.