الجمعة 7 آب 1998
– 58 –
… ومن بعلبك (“أزرار”- 56) إلى بيبلوس (“أزرار”- 57)، إلى صور.
الخمسون ألفاً بحسب إحصاء غير مدني) تَهاتفوا متدفقين على الملعب الروماني التاريخي، نهراً بشرياً طوال ساعة ونصف الساعة من أبواب الملعب الهائل الثلاثة ليلة عيد الجيش، ليحضروا جوليا بطرس في ليلة العيد، سجلوا سابقة لا عهد بها للملعب ولا لصور وإلى حد كبير للبنان الذي قلّما شهد زحفاً بهذا الكمّ العجيب الرائع لحضور فنانة يحبّها ويسافر معها على أوتار صوتها إلى أغنيات تغني الحب النقي والوطن العظيم والمشاعر الإنسانية التي تسكن في عمق أعماقنا.
جوليا بطرس، ليلة عيد الجيش، سجلت سبقاً فنياً غير عادي.
في مهرجانها الماضي (العام الفائت) جاءها ثلاثون ألفاً. وكان ذلك لافتاً، هذا العام (أين الصحافة لم تسجل استثنائية هذا الحدث؟) كان مذهلاً أن يتكوكب هذا النهر البشري الجموح أمام فنانة منذ ظهرت، ظهرت نقية، نظيفة ثقيفة.
فصوتها نقيّ، لأنه لا يذكر بأحد ولا يحاول أن يستمد وهجاً من صوت أحد.
وصوتها نظيف لأن قلبها نظيف متوغّل في الإصرار على العمل الفني الذي لا “تجزئه” ضرورات السهرات السائدة ومسارح المطاعم والقهاوي والفنادق وحفلات الأعراس والمناسبات في قصور “طويلي العمر”.
وصوتها مثقف لأنه يعرف أن يكون مطواعاً، وقوياً بدون جهد ميكانيكي في أوتار للحنجرة
وصوتها، أخيراً، واثق، لأنه يعرف أن يختار الكلمة والنغمة والأداء والموضوع، لتكون على أغنية في ذاتها، عالماً في ذاته من الحوار العلي بين المشاعر والتعبير عنها.
جوليا بطرس، عندنا، ظاهرة فنية غير عادية.
وليلة عيد الجيش في صور، واحدة من علامات هذه الظاهرة.