الخميس 19 شباط 1998
– 35 –
22 شباط، هذا الأحد: 100 عام على صدور “الهدى”.
صباح الثلثاء 22 شباط 1898، صدر في فيلادلفيا (بنسلفانيا) العدد الأول من جريدة أسبوعية صغيرة بحجم مجلة، في 20 صفحة، ملوّنة الغلاف، تحمل إسم “الهدى”، منشئها ومحررها المهاجر اللبناني نعّوم مكرزل من الفريكة (ولد فيها عام 1864، وكان قبل هجرته أستاذاً لتلميذ ولد فيها عام 1876 يدعى أمين الريحاني).
يوم صدورها (وكان هذا مقصوداً من صاحبها) صادف ذكرى غالية على نفوس الأميركيين يحتفلون بها كل عام ويقرعون في فيلادلفيا، حيث انطلقت شرارة التحرير الأولى، أجراس الحرية في مثل هذا اليوم: ذكرى ولادة جورج واشنطن محرر أميركا وباني مجدها الأول. ولذا تصدرت الصفحة الأولى صورة الرئيس الأميركي عهدذاك وليم ماكنلي، مع أبيات عمودية في تقريظه بالعربية.
وحملت “الهدى” في عددها الأول افتتاحية لصاحبها، جاء فيها: “قد يتساءل الكثيرون عن سياسة هذه الجريدة: أهي عثمانية أم روسية أم إنكليزية أم فرنسية؟ وجوابنا عن ذلك أننا لسنا على غير سياسة الإصلاح لوننا لبنان الذي نفاخر به وبمن من رجال العلم والفضل والأدب والسياسة”.
إذن ها هو نعوم مكرزل يطلق الصوت عالياً منذ 100 عام: لبنان اللبناني، لا العثماني ولا الفرنسي ولا الإنكليزي (أشكال التنازع الثلاثة في ذلك الحين على هذه المنطقة). وانطلق بـ”الهدى” على هذا الخط، حتَّى إذا أسس “جمعية النهضة اللبنانية” في ما بعد (1911)، جند لها افتتاحياته وصفحات جريدته منادياً عالي الصوت بـ”لبنان اللبناني” الذي نشدانا لمناخه التحرري الاستقلالي كتب له جبران قطعته الخالدة: “لكم لبنانكم ولي لبناني”.
وإذ رأى نعوم مكرزل أن نيويورك تضم عدداً أكبر من المهاجرين اللبنانيين، نقل الجريدة إلى نيويورك (مانهاتن)، حيث أصدرها في 25 آب 1902 يومية بـ4 صفحات، فطارت شهرتها بـ”الهدى” النيويوركية، واستمرّ يصدرها حتَّى وفاته عام 1932. وعرفت مرحلتها الثانية مع شقيقه سلّوم مكرزل الذي أصدرها هو الآخر حتَّى وفاته عام 1952، حين انتقلت إلى مرحلة ثالثة مع إبنته الكبرى ماري مكرزل، فاستعانت بمحررين من لبنان (يوسف الخال، فاضل سعيد عقل،…) حتَّى أنهكتها الصعوبات المالية، إلى جهلها العربية، فأوقفتها عام 1971.
وعام 1972 عرفت “الهدى” مرحلتها الرابعة حين انبرى لها فارس اسطفان في نيويورك عصامياً لبنانياً أبى أن تنقرض “الهدى” فينقرض معها تاريخ الهجرة اللبنانية، فأصدرها عشرين عاماً يكافح بها وحده، حتَّى ناء به الحمل فأوقفها في العدد 11 من سنتها الـ94 (الجمعة 8 آذار 1992) وكتب افتتاحية لهذا العدد الأخير بعنوان: “… وبعد 94 سنة في ساحة النضال، تتكئ “الهدى” في استراحة المحارب”، على أمل أن يعيد إصدارها “في وقت لاحق”. وعبثاً نادى من يكاتفه أو يخاصره ليواصل الصدور، ولم ترتفع يد حتَّى الآن، لمن يقول “ها أنذا” لإعادة إصدار جريدة هي أقدم صحفنا اللبنانية في العالم.
فهل تكون مئوية “الهدى” حافزاً لمن ينبري فيقول لفارس إسطفان: “هيا إلى “الهدى” كي لا تهوي هذه السنديانة اللبنانية التاريخية، فيهوي معها جبل مبارك من لبنان اللبناني؟”.