(الثلثاء 2 آذار 2004)
استغرب صاحب الْمحطة وأنا أركن سيارتي عند الْمغسِل، طالباً غسْلَها، وأترجَّلُ منها حاملاً جهاز الكومبيوتر الْمحمول، وأسأله عن طاولة في ركن الْمحطة أكتب عليها فيما ينتهي غسل سيارتي.
تكتب؟ سألني بانشداهٍ هو بين الأمية والسخرية. وَلَو؟ ألا تستطيع يا أُستاذ أن تبقى نصف ساعة بدون كتابة؟ شو صاير عليك؟ لِمَ لا تذهب فتجلس مع الشباب هناك؟
والتفَتُّ الى الـ”هناك” الذي دلّني عليه، فألفيت أربعة شبان حول طاولة، ينتظرون فراغ سياراتهم من الغسيل. الأول يَحمل سبحة يطقطق بِها ويتحدث مسترخياً على الكرسي. الثاني يدخِّن ويَحتسي فنجان قهوة. الثالث يدخن السيجار وأذنه لصيقةٌ بِهاتفه الْخَلَوي، والرابع يشارك في الْحديث بعين واحدة، لأنّ عينه الأخرى تبحث كذلك في هاتفه الْخلوي.
– أتريدني أن أقول لك بِم يتحدثون؟ بادرتُ صاحب الْمحطّة، فاستغرب ثانية وأكملتُ: يتحدّثون حتماً بالوضع في البلد، وينظِّرون في كيف يَجب أن يتصرف الْمسؤولون، ويَمدون تنظيراتِهم من بيت بو قريطم الى بيت عين التينة الى البيت الأبيض، ويدلون بآرائِهم ماذا على بوش أن يفعل، وما الذي على رئيس حكومتنا أن يقوله، وكيف كان يَجب أن يتصرّف رئيس الْجمهورية، ثم ينفخ كل واحد سيجارته ويطقطق بسبحته العثمانية، ويذهب كل واحد في طريقه، بَحثاً عن تضييع وقت آخر.
– أليس الْحكي أفضل من الكتابة على الكومبيوتر يا أستاذ؟ وعلى مَحطة البنْزين؟
بادرني صاحب الْمحطة وهو يَهُمُّ بالتوجُّه نَحو زبونٍ توقّف يَملأ خزان سيارته بالبنْزين.
حكي حكي حكي… وتنظير مَجاني تافه، وكل مواطن يرتجل من نفسه معلِّماً ومطَّلِعاً وخبيراً في السياسة الْمحلية والدولية، ويَحكي يَحكي يَحكي عوض أن يعمل ويُنتج فيفيد الْمجتمع.
ويا تعس مُجتمعٍ يقوم على الْحكي والتنظير والانشغال بالسياسة عوض الإنتاجية التي تنهض بالْمجتمع من ركود فيه بعضه ناتج عن انشغال الْجميع بالْحكي، عوض العمل والفعل والشغل، كما تفعل الشعوب الراقية التي تترك السياسة للسياسيين، وتُحاسبهم بقسوةٍ شديدةٍ مرةً وحيدةً: في صندوق الاقتراع.