(الجمعة 27 شباط 2004)
الْمتجه بالسيارة آمناً الى بيروت، يظل آمناً حتى يقترب من جسر الْمشاة في أنطلياس، فيطالعه خطر مفاجئ على تلة مزدهرة وسط الأوتوستراد.
ولو!! تلة وسط الأوتوستراد؟ نعم. تلّة وسط الأوتوستراد.
وهي باتت تلّة تاريْخية أثرية تصلح أن تضاف في الأونسكو الى لائحة الْجرد العام للأماكن الأثرية في لبنان، فهي تلَّةٌ تعود في ماضيها ومَجدها الى… نهاية الْحرب في لبنان، يعني قبل اثني عشر عاماً.
اثنا عشر عاماً وهي تلة في وسط الأوتوستراد، ولا من يتحرك.
إذا فوجئ بها السائق وهرب منها يميناً أو يساراً، تَعرّض لصدم السيارة الْمجاروة.
إذا فوجئ بها السائق وخفّف فجأة من سرعته كي يتداركها، تعرّض لصدم السيارة خلفه.
وإذا لم يستطع تداركها، واضطُر أن يمتطيها شامخاً، تعرّض لارتطام أسفل سيارته بيأْفوخ التلة، مع ما يستتبع ذلك من انقلاب الأطفال في السيارة، وتكسير وتلف وأعطال في سيارته وانفجار الدواليب.
اثنا عشر عاماً، وهذه التلّة شامخة في وسط الأوتوستراد، وليس من ينتبه الى قيمتها التاريْخية.
اثنا عشر عاماً؟ ولو؟ أين نواب الْمتن الشمالي وكسروان وجبيل والفتوح والبترون وطرابلس وعكار والْملاحق والتوابع، وطريقهم يومياً بِهذه التلة الشامخة؟
أين وزراء الأشغال من اثني عشر عاماً حتى نجيب ميقاتي،وهم حتماً يمرون بهذه التلة الشامخة؟
نعرف أنهم لا يقودون سياراتهم، بل يقودُها السائق، فيما هم يقرأون الصحف الصباحية أو يتسلَّرون (من التسَلُّر أي الْمهاتفة بالسلولر = جمعها سلالير على وزن سنانير وتعاتير).
ولكنهم حتماً، هؤلاء الْمسؤولين الكرام، انخضّوا بها ولو مرة واحدة، أو لاحظوا زحمة السير حولها، ولا بدّ أنهم أعطوها من وقتهم الثمين بضع ثوانٍ لَمحوا خلالها الناس في سياراتهم يطلقون الكلام الْمهذب على دولة لا تتنبّه لتلّة شامخة على أوتوستراد أنطلياس، تتمتع بصفاتٍ أثرية خالدة أبرزها مهوار قاتل ينطون منه صوب البحر، ولا من يسأل، ولا من يهتم، ولا من يعالج تلة أوتوستراد أنطلياس، وضواحي التلة من زفت مُحفَّر وحفر مُمتدَّة في عرض الأوتوستراد كأننا في جل بطاطا.
طبعاً: الأمر مأساوي ولا يقارَب بهذه السخرية، لكنَّ السخرية أحياناً أشدُّ إيلاماً في وجوه الْمسؤولين، حين لا يزال لديهم بعضٌ، ولو قليل، من ماء الوجه والضمير.