99- حين الأولويّات الوطنية تحدّد هويّة الحكّام

هل يكفي خطابُ الحاكم عند تولّيه الحُكْم، كي يذهب خطابه نَهجاً طوال عهده؟ وهل تكفي وُعودُه كي يُشبعَ النصُّ حاجات البلد وتطلُّعات الشعب والتحضير للمستقبل؟
أربعة عوامل تؤثّر في إطلاق الأولويات الوطنية ومَن يُطلقها: 1) شخصيةُ الحاكـم، 2) قوةُ الإقناع في إيصال فكرته، 3) طبيعةُ الإطار السياسي الذي يتحدَّث من خلاله، 4) خصائص الأفكار التي يُطلقها. وهذه الأربعة العوامل يُطلقها الحاكم، تُحدّد نَجاحَ الأولوية أو برودتَها أو حتى فشلها.
من هذا المنظار نقرأ كلام الرئيس الأميركي أوباما (الثلثاء 24 شباط الماضي) حين وقف أمام الكونغرس، بكُلّ ما لديه من ثقةٍ وكاريزما، يلقي أول خطاب في ولايته، ويُطلق أربع أولويات لشعبه وبلاده: الطاقة، الخدمة الصحية، التربية، الاقتصاد، ويعلن: “إذا كان اقتصادُنا ضعيفاً وثقتُنا به مهزوزةً في هذه الأيام الصعبة القلقة، فاليومَ اليومَ أريد كلّ أميركي أن يعرف ما يلي: سوف نُعيد البناء، وسوف نشفى، والولايات المتحدة الأميركية ستعودُ أقوى من قبل”. وكانت ردّة الفعل الأُولى في الصالة: عاصفة تصفيق وُقوفاً قلّما شهدها رئيس في مطلع عهده أمام أعضاء الكونغرس.
ومن هذا المنظار نفسه أيضاً نقرأ تصريح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حين كانت فرنسا (1/7/2008 – 31/12/2008) رئيسة الاتحاد الأوروبي (27 دولة)، وفيه أطلق أربع أولويات لشعبه وبلاده: الهجرة الى فرنسا، الطاقة، البيئة، السياسة الأوروبية للدفاع والسياسة الزراعية المشتركة. وأضاف الى تلك الأربع الفرنسية أولويةً أوروبية: مشروعه الساركوزيّ القديم “الاتحاد من أجل المتوسط” (وكان بدأ به قبل حملته الرئاسية).
الى أين من هنا؟ الى تفصيل “غير مُمِلّ” يَجعلنا نفتح أعيننا لنسأل: كم مرةً عَرَضَ الحُكّام العرب ستراتيجيا مستقبلية مرتكزة على حاجات شعوبهم؟ وكم حاكماً بينهم حدَّد الأولويات الوطنية في بلاده وفْق حاجات ملحّة تواجهها البلاد؟
في الأولويات الأربع أعلاه، تَحدّث أوباما وساركوزي عن الطاقة. فهل الطاقة في بلدان العرب أولوية، وفي هذه البلدان مَن هي أمُّ الطاقة أو منبعُها الرئيس؟ وما مصادرها هذه الطاقة؟ ما منابعُها؟ ما مردودُها على الشعب؟
في تلك الأولويات أعلاه تحدّث الرئيسان عن التربية والخدمة الصحية. فماذا عن التربية في العالم العربي، والأرقام والوقائع في معظم الدول العربية تشير الى أوضاع مُخْزية للتربية والتعليم، وخصوصاً للمرأة والتربية، ولنسبة الأُمّيّة (خصوصاً بين النساء)؟ وماذا عن توفير الخدمة الصحية؟ هل هي في أولويات جميع الحكّام العرب بتوفيرها مَجاناً لجميع فئات الشعب؟
وإن لم تكن هذه الأربع بالذات، فما هي أولويات الأنظمة العربية؟ وكم واحداً بينها عمل على تنفيذ أولوياتٍ أو رسم سياسات للمعالجة ولتَحقيق العدالة الاجتماعية أو تحسين الأوضاع الصحية أو التربوية في بلاده؟
الأولوياتُ الوطنية هي لِخدمة الشعب وخَيره ورَفاهه وتأمين مستقبل أولاده، وهي التي تُحدد هويّة الحاكم وأسلوبه ورؤيته وأحقّيّة انتمائه الى شعبه وانتماء شعبه الى الدولة فالوطن. وهو ما نشهده مؤخراً في مَحطات مضيئة لدى “بعض” الأنظمة العربية التي يطوّر حكامُها في قطاعات الصحة والتربية والثقافة والمرأة وتوفير فرص العمل، ما يوحي بأن لدى “بعض” الحكام العرب أولويات يرسمونها لا وفق أفكارِهِم هُم، وظروفِهِم هُم، وقياسِهِم هُم، بل لِخير الشعب ورَفاهِهِ ومستقبل أولاده.
قلتُ: لدى “بعض” الأنظمة العربية، و”بعض” الحكّام العرب. ولَم أعَمّم. كنتُ أتَمنى لو أُعمّم.
أيُّها الشعبُ العربي، مقياسُ حكّامك: أولوياتُهُم الوطنية.
ويبقى الحُكْم لكَ: معهم أو عليهم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*