في خلاصةٍ مبنيّةٍ على تَجربةٍ واسعةٍ من عارفين ذوي خبرة، نشرَت مَجلة “لايف ساينس” الأميركية تَحقيقاً علمياً عن ربطة العنق في لونَيها الأحمر والأَزرق، تركيزاً (اصطلاحياً) على ربطة عنق الرئيس الأميركي الشاب أوباما طَوال أيام حَملته الانتخابية ثم نَهار تَوَلّيه مقاليد الحكم في احتفال واشنطن التاريخي.
أَإِلى هذا الحد يَهُمُّ لون ربطة العنق؟ وما مغزاه؟ وما انعكاسه من الحاكم على الشعب؟
عن ذاك التحقيق (نَموذجاً) أنّ أُوباما ارتدى الأزرق والأحمر تذكيراً باثنَين من ألوان علم بلاده، أو انه جمع اللونَين معاً تدليلاً على ازدواجية تمثيله الشعبَ الأميركي بين البيض والأفارقة الأَصل. غير أن خبراء الألوان يَجِدُون في الأحمر دليلاً الى حُب التفاصيل (وتالياً تفاصيل الأُمور في قراراته وحُكْمه)، وفي الأزرق دليلاً الى حُب التجديد والإبداع، وهو ما راج بين أوساط الرجال في السنوات الأخيرة حتى بات أكثرَ ألوانِهم اختياراً لأنه مُتعدِّد التفسيرات: يوحي بألوان الفصول الأربعة، ينسجم مع سائر ألوان الثياب، ويعطي الشعور بالهدوء والثقة، بينما الأحمر يوحي بالقوة (خَفّ ارتداؤُه مع غياب القرن السابق).
هذان اللونان (مصادفة؟ أمر مقصود؟) يرتديهما معظم الحكام. وفي التفسير العلمي (وشبه العلميّ) أنّ هذين اللونين هما الأكثر حضوراً في ربطات العنق. وفي منطق الحكّام أن لَهما معاني مُختلفة التفسير. الأزرق يوحي بالأصالة والحفاظ على التقاليد، والأحمر يوحي بالعراقة والحزم، ويوحي بالحُبّ (الأكثر حُضُوراً في الثياب النسائية تدليلاً من المرأة على كونها عنوان الحب، وكذلك هو الأكثر حضوراً في ثياب الرياضيّين تدليلاً على الثقة بالنفس).
وطالما ربطة العنق تَلْفت بِمدلول لونِها، يَحرص الحكّام على ارتدائها في اختيار دقيق لألوانها، تاركين للاختصاصيين التفسير، وللشعب التلقّي على اختلاف ميوله وأَذواقه. فاللونان معاً (أو منفصلَين بين ارتداء لونٍ منهما في يوم، وارتداء الآخر في يوم آخر) يشيران الى لفت الانتباه في الحكم وطريقة الأداء السياسي واستقطاب الشعبية في طرائق مُختلفة.
وفي دراسة مَجلّة “لايف ساينس” كذلك أن الأحمر “أكثرُ لفتاً للحرص على التفاصيل الدقيقة في حركات الحاكم وطريقة أدائه” (عند الخطابة أو الحوار الصحافي او التلفزيوني)، وهو الأقوى في جذب انتباه العين. “من هنا استخدامه للتوقُّف في الإشارة الكهربائية، وفي لون سيارات الإسعاف، وفي أحمر حِبْر المعلّمين (تصحيح المسابقات)، دلالة على ما يعنيه الأحمر من لفت الى الأخطار والأخطاء والانتباه فيَشُدُّ رائيه الى تَحسين الموقف أو تغييره أو التقيُّد بِما يتأتّى من ملاحظات. بينما الأزرق مرتبط بلون الفضاء الأزرق ولون البحر الواسع ولون الانفتاح والسلام والهدوء والركون الى جوّ الخلق والإبداع والاكتشاف”.
كلُّ هذا الأمر (كما تَخلُص إليه دراسة مَجلة “لايف ساينس”) يشير الى المعنى العميق في اختيار الحكَّام ألوانَ ربطات عنقهم، لا مصادفةً ولا ذوقاً انتقائياً ذاتياً بل دلالةً على ما يرمُون إليه من هذا اللون أو ذاك، أو من ارتداء اللونين معاً.
في هذا السياق، يتّضِح أن حُضُور الحاكم (حين لَم يأتِ الى الحُكْم نتيجة حصيلة عائلية أو خلافة وراثية) ليس في مواقفه وحسب، ولا في أَدائه الخطابي أو الإيديولوجي أو الديماغوجي وحسب، بل في مظهره وشَكْل ثيابه وتصفيف شعره و… رَبطة عنقه. فالأناقةُ في المظهر مرآةٌ للأناقة في العقل والتفكير والمنطق، وتالياً: في مواقِفِه التي تقود البلاد الى مصير أو الى آخر.
أيها الشعب العربي: أَعِدِ النَّظَر في… النَّظَر الى حكّامك.