92- هل هذا مستوى الجامعات العربية؟

20 كانون الثاني 2009 العدد 12803 السنة 37

حين قرأْتُ “التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية” (الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي”، في 750 صفحة قطعاً كبيراً) وطالعتْني أرقام موجعة في مقدمة محوره الأول (التعليم في العالم العربي) كنتُ أمام موقفين: الغضب من الواقع، أو السخط على مصدر التقرير.
المصدر تصنيف سنوي يُصدره معهد التعليم العالي (لدى جامعة جياو تونغ في شانغهاي) وهو كان في طبعاته للأعوام 2003 و2004 و2005 أجرى إحصاءً على 500 جامعة في العالم لم تَرد فيه جامعة عربية واحدة، وما إلاّ في طبعة 2006 حتى ظهرت واحدة فقط (جامعة القاهرة بدرجة 404)، وتراجعت في طبعة 2007 الى الدرجة 407.
لبلوغ هذه الأرقام اتّبع استفتاء التصنيف خمسة معايير (لكل منها حصة 20%): الفائزون بين متخرِّجي الجامعة بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد، الباحثون بين أساتذتها في 21 حقلاً معرفياً، الناشرون بين أَساتذتها أبحاثاً متخصصة لدى مجلات متخصصة في حقول العلوم والطبيعيات، المقالات المنشورة من أساتذتها في كشّافات العلوم والعلوم الاجتماعية والفنون والإنسانيات، الأداء الأكاديمي مقسوماً على عدد الأساتذة المتفرغين.
قد يكون الانطباع الانفعالي الأول عن نتائج هذا الإحصاء أنه “منحاز” (لجامعات مؤثرة في الجهات مانحة الجوائز وفي وسائل النشر بالإنكليزية) أو أنه “قاصر” (لم يوسّع بَحثه خارج المتوافر في المصادر الإلكترونية والكشّافات المنشورة). غير أن فيه مؤشراً دامغاً لا يُمكن تَجاوُزُه: الجامعات العربية ليست على الشاشة العالَمية في سلّم الإحصاءات العلمية والأكاديمية.
أإلى هذا الحد؟ نفهم ألاّ يكون المستفتون في جامعة شانغهاي أرسلوا استماراتهم الى الجامعات العربية، أو لم يكن لهم اتصال مباشر مع تلك الجامعات. ولكن، في عصر الإنترنت الذي بات يوصل الإحصاءات الى آخر بيت في سيبيريا وأبعد مكتب في مَجاهل الأمازون، كيف يُمكن ألاّ تكون الجامعات العربية تنشر على مواقعها الإلكترونية ما يُجيب عن أسئلة الاستمارة ويؤدي الى ظهور الجامعات العربية (عدا جامعة القاهرة التي ظهرت في أسفل اللائحة) على الساحة الأكاديمية العالَمية؟ وهل يكون التقصير عندئذ من جامعة شانغهاي؟ أم من واقع مؤلم تصفع أرقامه بأن 22 دولة عربية ذات 396 جامعة لم تظهر منها سوى واحدة فقط، وفي العامين الأخيرين من الاستفتاء؟
ألاَّ يكون في الجامعات العربية باحثون من وزن عالمي، قول جائر. وألاَّ يكون بين متخرجي الحامعات العربية من حاز نوبل أو جائزة عالمية، قد يكون صحيحاً بدليل أن الأكاديميين العرب حاصدي الجوائز العالمية تخرجوا من جامعات أميركية أو أوروبية وتالياً لم تكن لجامعاتهم العربية قدرة إيصالهم الى بلوغهم تلك المرتبات والى نيلهم تلك الجوائز والمداليات.
الدعوة إذاً ليست الى جامعة شانغهاي (أو سواها) لتوسيع نطاق الاستفتاء، بل الدعوة بالأحرى الى الجامعات العربية كي تنشر في مواقعها ولدى المصادر والمراجع العالمية إنجازات أساتذتها وأبحاثهم، وهي دعوة الى الأساتذة الباحثين ألاّ يقتصروا في نشر أبحاثهم العلمية على مجلات متخصصة عربية، وليوسّعوا نشرهم الى مَجلات عالَمية في لغات عالَمية فـ”يشعر” العالم بها وبهم، وتبلغ أبحاثهم مصادر البحث ومراجع الاستفتاءات، لأن القصور على العربية لغةً واعتزازاً تراثياً قد يفيد صاحبه في ما سوى مُحيطه، لكنه لا ينفعه ولا ينفع جامعته ولا بلاده ولا أمته الكبرى التي إن لَم تدخل العولَمةَ لتغذّيها بنتاجها ستبقى خارج العصر وتظلّ “تنقُّ” بأنها ضد العولَمة لأنها لا تملك ما تعطيها من نتاج عبقري.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*