لم يكن مفاجئًا ما قرأْتُهُ أَمس السبت، على الصفحة الأَخيرة من “النهار”، أَنَّ لبنان حلَّ في مرتبة “أَتعس بلد في العالم”، قبالةَ فنلندا التي، تَوَاليًا للسنة الخامسة، حلَّت في مرتبة “أَسعد بلد في العالم”. ويتَّخذ هذا ا لألد في العهالميد: أتعس دوةل في اعالم”.ي تصتايف نل حجيدجته، بل ليعودوا هم من جديد على راس سلطتنه وولاتالتصنيفُ جِدِّيَّتَه وصِدقيَّته من أَنه يصدر سنويًّا عن دائرة الإِحصاءات والتصنيف في منظمة الأُمم المتحدة.
ليس كالأُمم المتحدة علْمًا بكآبتِنا وحالتِنا وتعاستِنا بسبب ساستِنا. وليس مَن عندنا في حاجة إِلى معرفة عناصر التعاسة كما يعتمدُها التصنيف. فشعبُنا يَعيشها كلَّ يوم، بل كلَّ ساعة في اليوم، من وقْفة غضَب أَمام صرَّاف آليٍّ فارغ، من وقْفة ذُلٍّ أَمام فرن محتشِد، من وقْفة أَلَم على باب صيدلية، من وقْفة قَهر أَمام محطة بنزين، من وقْفة صادمة على مدخل مستشفى.
عن وكالة “رويترز” أَن جِفْري ساكْس، في تعليقه على التقرير الجديد لعام 2022، قال: “الأُمثولةُ من هذا التصنيف، أَنَّ صدْق الحكومات أَمرٌ أَساسيٌّ لرخاء السكان. وعلى قادة العالم وعْيُ هذا الأَمر الرئيس”. وساكْس هو أَحد مُعِدِّي التقرير في الأُمم المتحدة.
“صدْق الحكومات” قال الخواجة ساكْس؟ هل بعدُ حاجةٌ للبحث في سبب تعاستِنا بسبب ساستِنا؟
“صدْق الحكومات”؟ وهل شعبُنا، ولو ليومٍ واحد، لَمَس صدْقًا في حُكَّامه – حكوماتٍ ووزراءَ ونوَّابًا ورؤَساءَ ومسؤُولين -: عهدًا بعد عهد، مجلسًا بعد مجلس، ولايةً بعد ولاية، وقهرًا بعد قهر؟
وهل أَتعسُ من أَن تعرف الدُوَل هشاشةَ السُلطة في لبنان فلا تُقَدِّم لها قشَّةَ مساعدة، وإن فعلَتْ فلِلشَعب مباشرةً لا لهذه الدولة السائدة ولا، خصوصًا لا، لهذه السُلطة البائدة؟
وكيف لا يكون لبنان أَتعسَ بلدٍ في العالَم، والعالَـمُ يَشهدُ شعبَ لبنان مصلوبًا على جلجلةٍ مُرعِبة عمَّرها سياسيون يوضاسيون نيرونيون بيلاطسيون نرجسيون قهَّارون ساديون؟
كيف لا يكون لبنان أَتعس بلدٍ في العالَم، وهو خاصَمَ معظم دوَل العالم بتصرفات واصطفافات وانحيازات وانزياحات وتصريحات غير مسؤُولة فأَدار العالَم وجهَه عنَّا يأْسًا من تكرار الطلب الواحد: إِصلاحات إِصلاحات إِصلاحات، ولا مَن يَسمَع ولا مَن يُصلِح ولا مَن يَهتَمُّ لِمستقبل الدولة!
وعلى ذكْر الدولة: تصنيف الأُمم المتحدة يستعمل تعبير “البلَد التعيس” لا “الوطَن التعيس”، لأَنه يعرف أَنَّ البلد تَسُوسُه حوكمةُ سلطةٍ سياسيةٍ تُعمِّرُ الدولة أَو تُهدِّمها. وتاليًا لا فشَلُ قيادةِ السلطة ولا تشويهُ سمعة الدولة يُؤَثِّران على سمعة الحضارة والتاريخ والإِبداع، وهو الثالوث الذي يشكِّل الوطن بشعبه الخلَّاق على أَرضه أَو في مَهَاجره حول العالم. إِذًا: تَصنيفُ الأُمم المتحدة أَعلَنَ لبنانَ بلَدًا تعيسًا بسُلطته ودَولته لا وطنًا تعيسًا بحضارته وتاريخه وإِبداعه.
وما يَزيد في تعاسة لبنان البلد، أَنَّ الذين سبَّبُوا تعاسة شعبه هُم هُم الذين هذه الأَيام تتصدَّر أَسماؤُهم وصُوَرُهم ويافطاتُهم حملاتٍ انتخابيةً يتقدَّمون بها من الشعب لا كي يَخدُموه ويُزيلوا تعاستَه بل ليَعُودوا هُم من جديد على رأْس سلطته الفاشلة ودولته الهاشلة، وهُم الذين سيُسَبِّبون من جديد، أَن يكون لبنان من جديد، في أَيِّ تصنيفٍ من جديد، وفي أَيِّ تقريرٍ مقْبلٍ جديد: “أَتعس بلَد في العالم”.
هـنـري زغـيـب