ما زالت وسائلُ الإِعلام ووسائطُ التواصل الإِلكتروني تتسابقُ على نشْر تشاؤُمٍ جديدٍ، وتيئيسٍ جديدٍ، ونَعْيٍ جديدٍ كل يوم، كأَن النجاحَ في مَن ينعى قبل الآخر، أَو أَيُّ شاشةٍ تستضيف قبل سواها هذا السياسيَّ أَو ذاك من أَهل هذا الحُكْم الأَشاوس، وتروح قبل أَيامٍ تعلن عن الحوار معه بحجة استقطاب جمهور أَوسع. لكن هذا “الأَوسع” كلَّما اتَّسع، زاد حقْد الناس على هؤُلاء الذين يَسْبَطِرُّون أَمام الكاميرا يُنظِّرون في السياسة فيما الـمُشاهدون يَشتمونهم ويكرهُونهم ويَلعنُون الساعة التي جاؤُوا فيها إِلى الحُكْم.
هذا النَعْيُ الإِعلامي يُوْدِي بشعبنا إِلى اليأْس والتشاؤُم والهجرة. فأَهالينا لا يجدون نورًا في آخر هذا النفَق الطويل، ويحسبونَه لن ينتهي فينتهي بهم الأَمر إِلى مغادرة الوطن.
غير أَننا لن نيأَس لأَن هذا ليس لبنانَ الحقيقيّ، بل وطنٌ مُزَوَّرٌ بسُلطته ومُنهارٌ بدولته. والتزوير لا يحقِّق التغيير.
وطن مُزَوَّرٌ، نعم. زوَّرَهُ أَهل السُلطة لمصالحهم الشخصية، وزوَّرَهُ أَهلُ الدولة لنَسْلهم ومحاسيبهم وأَصهارهم وأَزلامهم، فهَدموا أَركان الدولة وشوَّهوا قُدسية السلطة. لكنهم زائلون، فالسُلطة تزول ويزول معها قَراصنتُها، والدولة تدول ويدول معها لُصوصها ومجرموها، أَمَّا الوطن فخالدٌ بِقِيَمه وإِرثه ومبدعيه ولا يزول. الدكتاتوريون زالوا وأَوطانهم بقيَت. صانِعُو الأَوطان ليسوا سياسييه بل مبدعُوه. ومَن جعلوا لبنان يَشِعُّ في الشرق والغرب ليسوا أَهْلَ “بيت بو سياسة” بل أَهلُ الفكر والفنون والإِبداع. هؤُلاءِ يَذْكُرُهم التاريخ، ويهمل الطُفَيليين السياسيين المزوِّرين الزائلين الذين، بكل وقاحة، يتهيَّأُون اليوم للانتخابات في أَيار، ظانِّين أَنَّ الشعبَ ينسى، لكنه لن ينسى بل سينقَضُّ عليهم بحقْدٍ ولعنةٍ وشتيمة، ويجعلُهم مسخرة المساخر. لذا قد يعمدون إِلى خربطة الانتخابات لأَنهم يخافون أَصوات الناس وأَصوات الصناديق.
مع ذلك لن نيأَس. خلاصُ الوطن لن يكونَ مع هؤُلاء فلبنانُ غنيٌّ بلبنانيين شبابٍ عباقرة موهوبين تِقْنيين يُنقذُونه في كل قطاع.
لن نيأَسَ وسنبقى متفائلين. ومَن يمارسون النَقَّ والنحيب والشكوى من لهيب الأَسعار وتفَشِّي الفقر، معهم حق، إِنما… فَلْيُحَوِّلوا شكاواهم غضبًا على مسبِّبِيها كي لا يعودوا إِلى الحُكْم أَربعَ سنواتٍ أُخرى فيُعيدوا قَرصناتهم على شعبنا. السلاحُ اليوم يتهَيَّأُ في يدِ الشعب، فورقةٌ صغيرةٌ في صندوقة الاقتراع أَقوى من أَيِّ سلاحٍ كبير خطير يهدِّد المصير.
بلى: مصيرُ لبنان لن يُقرِّرَه هؤُلاء السياسيون المركنتيليون الإِلغائيون، بل يقرِّرُه الشعب الذي حين يلغيهم يكون بدأَ يشُقُّ طريق الخلاص من حراميَّة “مغارة علي بابا”.
وليذْكُر شعبُنا دومًا، وخصوصًا يومَ الانتخاب، أَن لبنان الدولة الـمُزوَّرَة والسلطة الـمُزوِّرة ليس لبنان الوطن.
ولكي نستعيدَ لبنان الوطن بدولةٍ سليمة وسلطةٍ حكيمة، يجب أَن نلغي منه أَوَّلًا جميع الـمُزَوِّرين.
هـنـري زغـيـب