وسْط هذه العتمة العوراء حولنا في كل حي ودسْكرة ومنطقة، ووسْط الغضب البركاني المتفجِّر في شعبنا الرافضِ كلَّ واحد من هذا الطقم السياسي في السُلطة، لا يزال بيننا مَن يعتقدون بأَن الانتخابات المقبلة لن تغيِّر في الوضع الحالي، وبأَن سيعود إِلى الكراسي مَن هُم اليوم متحكِّمون على الكراسي.
لا أَحتملُ هذه الأَفكار الخانعة من متشائمين نقَّاقين مستسلمين إِلى أَن الانتخابات المقبلة ستُعيد الفاسدين إِلى مغاور الفساد.
لا أَحتملُ أَنَّ في شعبنا منهزمين إِلى هذا الحد، سلبيين إِلى هذا الحد، رافضين إِمكان التغيير إِلى هذا الحد. لا أَقول إِن الانتخابات ستغير فورًا، لكنها خطوة أُولى نحو حياة برلمانية فعلية لا إِلى مهزلة ديمقراطية توافقية. وذلك لن يكون إِلّا بطرد الفاسدين من مغاور الفساد التي تتحكَّم بنا منذ عقود. الجوع وحَّد شعبنا. والذل أَحرق شعبنا. والخوف دمَّر شعبنا رعبًا من أَن ليرتهم انهارت، ومدَّخراتهم ضاعت، وكل أَملٍ بالنهوض ضاع، ولا أُصدِّقُ أَن في شعبنا بعدُ مَن سيُعيدون إِلى السُلطة من أَوصلوهم إِلى هذه الفجائع، فوقفوا ذليلين في صفوف ذليلة مرهقة أَمام محطة بنزين أَو فرن أَو صيدلية أَو مصرف، فكيف سينسون غدًا ويعيدون انتخابَ الأَوصلوهم إِلى هذا الذل الحقير.
لم تعُد منطقة في لبنان إِلا انتفضت على سياسييها في كل بيئة حاضنة من لبنان، شمالًا وبقاعًا وجنوبًا وجبلًا، غضبًا على كلِّ من كان حتى اليوم خطًّا أَحمر دونه مسُّ هؤُلاءِ الأَصنام. بعد اليوم: يجب أَلَّا يكون أَيُّ التزامٍ بامتيازات طوائف وأحزاب وتيارات وتشكيلات سياسية وتحالفات تنعقد فوق رؤوس شعبنا فينساق إليها ببغائيًّا قطعانيًّا غرائزيًّا بلا وعي ولا تبصر.
لا أُصَدِّقُ أَنّ شعبنا يلدَغُ من الجُحْر مرارًا بعد مرارة اللدغات السامة القاتلة.
لا أُصَدِّقُ ولا تصدِّقوا إِغراءات سياسية موقَّتة، أَصحابها سبَّبوا ذُلَّكم وغدًا في موسم الانتخابات سيُغْرونكم بمساعدة عينية أو رشوة مالية أو بطاقة تموينية أو بطاقة تمويلية أو وعد كذَّاب، لأنهم حين يجلسون من جديد على مقاعدهم سيعودون إِلى فسادهم وتعودون إِلى الذل والقهر من جديد.
لا تصدِّقوا أَنَّ شعبنا خانعٌ إِلى هذا الحد. من كان فيه خانعًا فليبقَ عند أَقدام أَسياده. وأَما في جُلِّ شعبنا فليتعمَّم الغضبُ بعد، وليلفّ البلاد من أَدناها إِلى أَقصاها ولتَعْلُ الصرخات بعد. رقعة الزيت الثائرة فَلْتَتَوَسَّع بعد على مدى البلاد، كرة الثلج الرافضة فَلْتَكْبَرْ بعد حتى تعُمَّ كل البلاد، وليفهم شعبنا أَن بداية الخلاص من أصنام السلطة تكون في منعهم من العودة إِلى مقاعدهم، ولن تكون هذه سوى بداية، تليها إِعادة بناء الدولة مع لبنانيين جدد، وفي شعبنا موهوبون في كل قطاع، قادرون على البدء بنفض الدولة كلِّها وتركيبها من جديد خارج المحسوبيات والتنفيعات والأَزلاميات.
بلى: إِيماني بشعبنا كبيرٌ أَن فيه قوةَ تغيير حين يلمسها حكَّام العرب والغرب تعود إِلى بلادنا ثقتُهم، ونرى امتدَّت إِلينا لا أَيديهم الـمشحِّدة ولا “المانحة” بل أَيدي تعاون دُوَليِّ مع شعب خلَع من رقابه نير الأَصفاد والأغلال، وطرد من صفوفه فريسييه ويوضاسييه، وخرج إلى النور يشكل سلطة جديدة تدير دولة عصرية تليق بلبنان الوطن، فيستحق يومها شرفَ أَن يكون شعب لبنان اللبناني.
هـنـري زغـيـب