المشكلة في العقل لا في اللغة
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1505
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 28 شباط 2021

مع أَنني أَوضحتُ، في حلقة الأَحد الماضي، أَنَّ رواجَ الخطإِ اللُغوي خطأٌ في العقل لا في اللغة، وليس من “موسمٍ” لصحة العقل أَو كسله، فجميع الأَوقات لصِحته وإِلَّا فتعميم الخلَل أَذًى جَماعيٌّ للمجتمع بأَكمله، ظلَّ من يقول لي إِنَّ الوقت الآن ليس لتصحيح الكلمات المستعمَلة بل لتصحيح الأَوضاع في الوطن.

ولكن، كيف تُصحَّح أَوضاعُ الوطن إِن كنا نقاربها بمخاطبات مغلوطة؟

اللغة بنتُ العقل، واستعمالُها مغلوطةً لا يُصحِّح العقل بل يُعمِّم خلَلَه تفكيرًا وتنفيذًا فيَشيع الخطأُ وتُؤْذى اللغةُ التي هي بنْتُ العقل والمنطق، وحصيلة أَجيال من الخبرة العميقة والمراس السليم.

يقولون بـ”حكومة أَخصَّائيين” ويرددونها ويعمِّمونها، والصواب: “حكومة اختصاصيين” أَو “ذوي اختصاص”. فلماذا لا نعمِّم الصواب؟

يقولون “عوارض كورونا” وليس في اللغة هذا الجمْع، والصواب “أَعراض المرض” وهي جمع عَرَض أَي ما يعرِض من مظاهر.

يقولون :استعمال “الكَمَّامة” وهو خطأٌ لأَن الكَمَّامة تكُمُّ الفم فلا يَصدر منه الصوت، والصواب “الكِمامَة” فهي تغطّي الفم ولا تكتُم صوته.

يقولون المطار “الدَوْلي” وهذا خطأٌ لأَن “الدَولي” نسبة إِلى “الدَولة” والصواب المطار “الدُوَلي” لأَنه وصلٌ بين الدُوَل Inter-National. ومن ميزات العربية: القياس، فقياس “الدَوْلي” كما قياس “الحكُومي”، وقولنا المطار “الدَولي” نسبة إِلى الدولة كما “الحكومي” نسبة إلى الحكومة، والعربية عرفَت النسبة إِلى الجمع كالثعالبي والجواهري والأُمميّ، من هنا الصواب أَن نقول :المطار “الدُوَلي” والبنك “الدُوَلي” والمؤتمر “الدُوَلي”.

ويقولون “التواجُد” وهي من “الوجْد” أَي “شدَّة الحُب” ولا علاقة بها بالمعنى المقصود وهو الوجود بمعنى الحضور في المكان.

أَتوقف هنا، فاللائحة تطول، ولستُ الآن إِلى درس في اللغة بل في منطقِها وهو الأَهمّ وهو القياس الذي يبنى عليه. ومَن يخطئ في اللغة يخطئ في المنطق، والمنطق هو القياس، والقياس لا يستقيم إِلا بالعقل، واللغةُ بنتُ العقل. لذا تَصدُم الأَخطاء في اللغة كما يَصدُم غيابُ العقل حين يُصبح العقلُ كسولًا لا يعتمد القياس كي يستقيم. ومن لا يحترم لغتَه، هو ذو خلَلٍ في العقل والمنطق، وتاليًا يستجلب سخرية الآخرين. تمامًا كالسخرية ممن يقول بالفْرنسية Le lune (بدلLa Lune) أَو La soleil (بدلLe Soleil)، أَو بالإِنكليزية He go (بدلHe goes)، ويمضي في الأَخطاء الشبيهة التي تشوِّه لغتَه، وتاليًا تشوِّه صورة بلاده لدى المتلقِّين.

المسأَلة إِذًا: تشغيل العقل. فالخطأُ لا يزلُق عن اللسان بل يزلق عن عقل كَسول لا يصرِف جهدًا في اطّلاب المنطق، والمنطق أَساسُه القياس، والعربيةُ عبقريةٌ في المنطق والقياس، والمنطقُ والقياسُ توأَمان يضبطهُما العقل، واللغة بنتُ العقل.

من هنا نبدأُ. فاحْكُموا من هنا على عقْل مَن يخطئُون، ومَن لا يزالون موغلين في الخطإِ، وفي كسَل العقل، وفي عتْمة المنطق.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib