“أَزرار” رقم 1165 – “النهار” السبت 30 كانون الثاني 2021
إِنسانيَّة “أَبو البؤَساء” وتفاهة “أَبَوَات” الفساد

          “أَيها السادة: عليكم بذْل كل قوَّتكم، كل ذكائكم، كل إِرادتكم، في سبيل المجتمع. هذا، في بلد متمدِّن، دليلُ الضمير المسؤُول، وإِلَّا فهو خطأٌ أَمام المجتمع وخطيئة أَمام الله. هذا المجلس، بأَكثريته وأَقليته، بموالاته ومعارضته، لا أُفرِّق ولا يهمُّني الأَمر، عليه أَن يتوحَّد روحًا واحدة من أَجل هدفٍ سامٍ واحد: رفْع البؤْس عن مجتمعنا. لا قيمة لكل ما تعمَلون طالما شعبنا يتلوَّى بين بؤْس ويأْس وجوع  وشيخوخة غير مضمونة وغياب قوانين تضمن مستقبل شبابنا. وأَنا هنا لا أَتوجّه إِلى كَرَمكم بل إِلى حكمتكم وضميركم، وإِلَّا فأَنتم تفتحون هوَّةً من الفوضى مُرعبةٌ لا ينقذكم منها إِلَّا أَن تسنُّوا تشريعات ترفع البؤْس عن شعبنا”.

          هذا الكلام قاله نائب. نائب بصفة مواطن. نائب انتخبه الشعب كي يدافع عن حقوق الشعب ويرفع عنه الظلم والبؤْس.

          هذا الكلام عمره 172 سنة. قاله النائب ﭬـيكتور هوغو (1802 – 1885) في مجلس النواب صباح الإِثنين 9 تموز 1849 إِبَّان ولايته النيابية عن مقاطعة “السين” فترتئذٍ (1848 – 1851).

          هوذا الشاعر يرفع صوته سوطًا في مجلس النواب. وصوتُ الشاعر أَقوى الأَصوات وأَخْلَدُها. زملاؤُه في تلك الجلسة صفَّقوا طويلًا لخطابه، وافقَه عليه كثيرون، وصوَّتوا وشرَّعوا. ولم يَقُم واحد منهم قال بكل غباء وجهل وحقارة وأُمِّيَّة: “هذا كلام شِعر”.

          إِنه الشاعر، أَبو “البؤَساء” قام يدافع عن البؤَساء. وكان دفاعه مدوِّيًا، كما كان قبلًا خطابُه لدى مناقشة الموازنة العامة (جلسة السبت 11 تشرين الثاني 1848) حين وقَف معترضًا: “أَرفضُ بشدَّةٍ تخفيض ميزانية العلوم والآداب والفنون. إِنه يؤْذي حضارتنا وقسمًا نبيلًا من شعبنا”.

          هكذا الشاعر: حين يدخل السياسة يرفعها إِلى مستواها الأَرقى والأَنقى والأَبقى.

          بعد 172 سنة على هذا الكلام في پـاريس، وعلى الضفة الأُخرى من المتوسط، أَطَلَّ مشروعُ قانونٍ “عبقريٌّ” لموازنة 2021 العامة، جاء في مادته 37 “ضريبة التضامن الوطني”: “تُفرَض ضريبة استثنائية على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى المصارف العاملة في لبنان. يَقتطع المصرف هذه الضريبة ويؤَديها إِلى الخزينة اللبنانية”.

          وفي المشروع “العبقري” ذاته: “يُخفَّض إِلى الدرجة الثانية التصنيف الاستشفائي لموظفي الفئة الثالثة، يُحرَم الموظف الجديد في الوظيفة العامَّة من المعاش التقاعدي بعد إِقرار الموازنة، لا يتقاضى وَرَثة الموظف من معاشه التقاعدي إِلَّا نسبة ٤٠٪ فقط، تُمدَّد فترة منْع الموظف من استعمال حقه القانوني بطلب الإِحالة على التقاعد”.

          أَمَّا كيف مُوْدِعُو جنى عمرهم يتكبَّدون “ضريبةَ التضامن الوطني” لإِنقاذ خزينة الدولة، ولماذا الدولة تُنَفِّر شبابها من دخول الوظيفة العامة فتدفعهم إِلى أَول طائرة حاملين تأْشيرةً إِلى أَول دولة تستقبلهم برحمةٍ لا يعرفها عُهْر دولتهم، فالجواب يعرفُه “عباقرةُ” سياسةٍ فاشلون ساقطون تافهون، لو قام فيهم اليوم ﭬـيكتور هوغو جديد ينبِّهُهم إِلى جُرم ما يفعلون، لأَسكتوه قائلين بكل جَهْل وغباء ووقاحة: “… هذا كلامُ شِعر”.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib