رسالة الــ”يونيسِف”، منظَّمةً إِنسانيةً، أَن تنفِّذ مهمةَ اسمها “صندوق الأُمم المتحدة لغَوث الأَطفال”.
طبيعيٌّ إِذًا أَن تُنقذ الأَطفال في أَيِّ بلد فقيرٍ يتدهْوَر وضعُه المعيشي ويجوعُ أَطفالُه ويبردون ويحتاجون رغيفًا أَو كنزةً أَو قميصًا.
وطبيعيٌّ أَن تَطرح الدولُ المنكوبة صوتَها المذعورَ اطِّلابًا مساعدةَ الـ”يونيسِف”، يُعينُها صندوقُها على البؤْس الواقعة فيه.
لكنَّ من غير الطبيعي أَن ترفضَ دولةٌ مساعدةَ الـ”يونيسِف” أَطفالَها الفقراء، كما دولةٌ كبرى هذا الأُسبوع رفضَت أَن يُطعم صندوقُ الـ”يونيسِف” من أَهلها في فترة الميلاد نحو 1800 عائلة فقيرة ضربتْها جائحة كورونا، معتبرةً أَنَّ قبولها مساعداتٍ ماليةً عارٌ عليها لأَنها دولةٌ غيرُ فاشلة، دولةٌ كبرى وإِحدى أَغنى دول العالم، وتتباهى أَنها دولة الـ”ﭘـاوند” النبيل والكومِنْوِلْثْ الجليل، فلا يجوز اعتمادُ أَطفالها على منظَّمات خيرية إِنسانية تساعد دُولًا فقيرةً أَو منكوبة، وهي ليست دولةً فقيرةً ولا منكوبة، لذا رفضَت دعْم الـ”يونيسِف” واعتبَرَته إِهانةً كرامتَها.
جاء ذلك بعدما أَعلنَت منظمة الـ”يونيسِف” تخصيصَ 25 أَلف جينيه سْترليني لمساعدة العائلات الأَكثر فقرًا لدى تلك الدولة بتقديمها 18 أَلف وجبة طعام لأُسَرها، لأَن الـ”يونيسِف” تعالج جذورَ الفقر الغذائي كي لا يعاني من الجوع أَيُّ طفل في العالم.
هذا ما جرى هناك، في دولة كبرى. فما الذي يجري هنا في دولة صغرى؟
ما يجري هنا أَنَّ دولةً صغيرةً أَوصلَت شعبها إِلى الجوع فراحت تصرخ بأَعلى صوتها مستغيثةً راجيةً دعمَ الدول، ولم تَستجِب لصراخها أَيُّ دولةٍ لاكتشافها أَن ساسة هذه الدولة الصغيرة جعلوها دولةً فاشلةً لم تعرف أَن تحافظ على شعبها فأَوقعَتْهُ في الجوع والعَوَز، وجعلَت مواطنيها متسوِّلين في وطنهم، لاجئين في وطنهم، شحَّادين في وطنهم، ينتظرون البطاقات التموينية في وطنهم، يتوسَّلون البطاقات التمويلية في وطنهم، يقفون بإِذلالٍ على أَبواب المصارف في وطنهم يترجَّون موظَّفًا صغيرًا أَن يُشَحِّدَهم ولو فتاتَ ما أَودعوا ذاك المصرف، يعودون خائبين من الصيدليات لأَن أَدويتهم مفقودةٌ ومهدَّدة برفع الدعم عنها وبوقوع مواطنيها ضحايا ولا من يسأَل عنهم، يقفون صفوفًا طويلة يتوسَّلون إِلى عاملٍ في محطة وقودٍ أَن يسخو عليهم بقطرات من البنزين، يذهبون إِلى السوﭘـرماركت يشترون الأَقلَّ الأَقلَّ من اللوازم لأَن دولتهم فشلَت في المحافظة على الأَمن النقديّ ونجحت في نهب المصرف المركزي بشكل فاجر فاجع، ووزَّعت موجوداته على نِعمها وتنعُّم ساستها والمتنعمين بفضلهم من محازبين وأَزلام ومحاسيب.
نعم… نعم أَيها الزمنُ الغادر في دولة فاشلة غادرة، هذا هو الفرق بين الـ”هُناك” والـ”هُنا”: هناك دولة كبرى ترفض الدعم وتعتبره إِهانة، تحترم كيانَها وسيادتَها، وهنا دولة تلهث وراء التسوُّل ولا من يلتفت إِليها لأَنها سبَّبت لشعبها جميع أَنواع الإِذلال والإِهانات، ومع ذلك ما زال سياسيُّوها يتواقحون بعقْد الاجتماعات وإِطلاق التصاريح والبيانات والتبريرات، غير مدركين أَنَّ انتقام الشعب منهم سيجعلُهم قريبًا مهزلةَ الدول ومسخرة الحكومات.
هناك دولة واهبة موهوبة تهتمُّ بالمواطنين، وهنا دولة ناهبة منهوبة تستجدي حتى الطحين.
هناك دولةٌ كبرى لا تُغيبُ عنها شمسُ الواجبات، وهنا دولةٌ صُغرى لا تُشرقُ عليها حقوقُ المواطن.
ذكِّروني كي أَقول لكم إِن تلك الدولة الكبرى هي بْريطانيا العظمى. أَما الدولةُ الصغرى فتعرفونها من نَكبة شعبها المقهور ونُتْن ساستها الفاسدين.
هـنـري زغـيـب