“نقطة على الحرف” – الحلقة 1492
في التأَني الندامة… وفي العجلة السلامة
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 29 تشرين الثاني 2020

فيما أَعلنَت المستشارةُ الأَلمانية أَنجِلا مركل، استباقًا الموجةَ الثانية من الكورونا، عن خطَّة التلقيح في الأُسبوع الأَول من كانون الثاني، محدِّدةً منذ اليوم أَماكنَ التلقيح في كل مدينة، ومعلِنةً ضرورةَ أَلَّا يَستغرقَ ذلك أَطولَ من دقيقتَين بما فيهما تعبئةُ بيانِ التلقيح تسهيلًا للإِحصاء العام،

وفيما أَعلن الرئيسُ الروسي ڤـلاديمير ﭘـوتين لزعماء “مجموعة العشرين” عن جُهُوزية روسيا للبدء في العاشر من كانون الأَول بتسليم لَقاح “سـﭙـوتْنِك” لأَيِّ دولةٍ تَطلبُه،

وفيما رئيسُ الوزراء الإِسـﭙـاني ﭘِـدرو سانْشِثْ أَعلن منذ اليوم برنامجَ التلقيح في الحادي عشر من كانون الأَول المقبل، وبمخطط واضح لثلاثَ عشْرةَ نقطةَ تلقيح في إِسـﭙـانيا، مع خارطةٍ واضحة مفصَّلة للأَماكن في كل مدينة من البلاد،

وفيما يتوالى إِعلانُ رؤَساء الدول والحكومات عن مواعيدَ مماثلة، تهيئةً واستباقًا موجةَ الكوڤـيد، المقْبِلة بأَيامٍ صعبة تستوجب الاحتياط المسبَق لا العلاج الملحق، نَـجِدُنا نحن في دولةٍ خاوية من الاستباق، خاليةٍ من الرؤْية الـمُسْبقة، مُقصِّرةٍ في المعالجات اللاحقة، متعثِّرةٍ بين إِقفالٍ تام أَو عامّ أَو جزئيّ أَو مُـجَـزَّإٍ بين تعليم بُعاديّ أَو تعليم مُدْمَج، معلِنةٍ انتصارَها “الكاسح” على مخالفي قرار المفْرد والمزدوج، شاطرةٍ في تشكيل اللجان، عبقريةٍ في دفْع شعبها إِلى التعتير والتقتير والتهجير، متمهِّلةٍ في البحث عن مستقلّين واختصاصيين وغير حزبيين لتشكيل الحكومة، آخذةٍ وقتَها في معالجة المشاكل العامة في البلاد على قاعدة “منيح، وشو صاير علينا”، فيما المواطنُ “صاير” إِلى جهنم، ضائعٌ بين الخوف على مصيره، والقلق على مدَّخراته، واليأْس من مستقبله، والسياسيون منشغلون في البحث عن “جنس ملائكة” قانون الانتخاب، لا عن بدائل ولا عن حلول ولا عمَّا يَدَعُ المواطنَ ينام ليلةً واحدة على وسادةِ اطمئنان.

غريبٌ أَمرُها هذه الدولة: تَحمي أَزلامَها ومحاسيبَها وعملاءَها تحت المظلَّات الواقية، وتَترك أَبناءَ شعبها مبلَّلين تحت المطر، أَو غارقين في أَنهار الشوارع، أَو مُهروِلين إِلى أَول طائرة تهبِط في أَول بلدٍ دولتُه تعمل على الاستباق سلَفًا لا على الاستلحاق خلَفًا.

جميعُ الدول تتقدَّم، جميع الدول تعمل على أَساس استباق الحدث لا معالجة ذيوله، على أَساس “في العجلة السلامة وفي التأَنِّي الندامة”: في عجلة الاستباق السلامة، وفي تأَنِّي الاستلحاق الندامة. فهل دولتُنا تنظر إِلى بيروت قبل نصف قرن، فترى كيف كان لبنانُ الوطن السعيد، وكيف – بسبب عُقْمِها وسُوء إِدارتها وفساد سياسييها – أَمسى لبنانَ الوطن الشريد؟

أَعود إِلى الفصل بين الوطن السيِّد ودولةٍ خادمتِه: جميلٌ أَن نتغنَّى بلبنان الوطن، وأَن نغنِّي “يا زغيَّر ووسْع الدني يا وطني”، وأَن نُردِّد “تحت السما ما فيه متل لبنان”، وأَن نصيح: “لبنان يا قطعة سما”، ولكنْ… هذا الوطنُ الــ”زغيَّر ووسْع الدني”، تلزَمُه دولةٌ خادمةٌ تحميه من تَشَوُّه صورة الوطن، وتَحمي شعبَه من اليأْس والانهيار والهجْرة الجماعية، تَلزَمُه دولةٌ قوامُها رجالُ دولة لا سماسرةُ سلطة، دولةٌ يَبنيها مَن يفكِّرون منذ اليوم بمنطِق الغد، ويُهيِّـئُون لأَجيالنا الجديدة مستقبَلًا آمنًا، حتى يظلَّ على أَرض الوطن مَن يتولَّون قيادة لبنان فيَستعيدونَه ويُعيدونَه: يَستعيدونَه من القَراصنة والسماسرة وتجَّار الهيكل، ويُعيدونه كما كان: قُبْلَة الشرق وقِبْلة العالم.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib