مساءَ الأَربعاء من هذا الأُسبوع، غابت المغنِّية والممثلة الفرنسية جوليـيت غريكو عن 93 عامًا.
وإِن هي أُسطورةُ الغناء الراقي في فْرنسا، فَلَنا منها في لبنان ما يَعنينا. ذلك أَنها سنة 1956 مثَّلَت، أَمام عمر الشريف، فيلم “سيِّدة القصر في لبنان”، مُـحَــوَّلًا إِلى السينما عن رواية الكاتب الفرنسي ﭘـيار بُنْوَى، أَصدَرها سنة 1924، واحتلَّت سريعًا لائحةَ أَكثر الكتُب مبيعًا فترتئذٍ في فْرنسا. وعن إِحصاءٍ لناشرها أَلبان ميشال أَنها باعت في العقد الماضي من هذا القرن الحادي والعشرين 675 أَلف نسخة، منها 426 أَلف نسخة في طبعات “كتاب الجيب”. وَشَهَرَتْها السينما أَكثر إِذ صدَرَت منها ثلاثة أَفلام: فرنسي صامت سنة 1926، فرنسي ناطق سنة 1934، وإِنتاج فرنسي إِيطالي سنة 1956 هو الذي مثلَّت فيه جوليـيت غريكو.
الرواية تجري أَحداثُها في لبنان سنة 1922، بعد سنتَين من إِعلان فرنسا دولة “لبنان الكبير”. وتروي قصة ضابط فرنسي من قوات الانتداب الفرنسي المسلحة في لبنان وسوريا. يُصاب على مُهره في معركةٍ مع قبائل بدوية، فيحمله جنوده إِلى مستشفى سان شارل في بيروت. وإِبَّان استشفائه يُغرَم بممرِّضته ميشالَّا، ابنةِ الضابط الفرنسي هِنْكان القائد الذي عَلِمَ بعلاقة ابنته مع الضابط ورضيَ عنها فأَمر بإِبقائه في بيروت وعيَّنهُ مسؤُول المخابرات لدى المفوضية الفرنسية العُليا في بيروت، وبين مَهامِّه مراقبةُ تحركات الإِنكليز في بعض المناطق اللبنانية، وكان الإِنكليز منافسي الفرنسيين طموحًا وحكْمًا على أَرض لبنان.
غير أَن العريس الشاب تَسحَرُهُ سيدةٌ في قصرٍ عالٍ يسمى “قلعة الطهارة”، في جوار بلدة عين زحلتا. ولأَن تلك السيدة كانت إِنكليزية، بقيَت علاقتُه بها في غلاف سرِّي. وهي كانت ذات غواية، أَرملةَ دﭘـلوماسي روسي، وعلى علاقة سابقة بجمال باشا إِبَّان الحرب العالمية الأُولى، صادقتْه لمصلحتها ومصلحة زوجها عهدذاك.
في هذا الإِطار تتدرَّج الأَحداث، بين قصر تلك السيِّدة وقصرٍ آخرَ لسيِّدةٍ إِنكليزية أُخرى هي الليدي إِستر ستنهوپ في بلدة جُوْن. وعلى مدى الرواية، وهي من عشْرة فصولٍ في 350 صفحة، وصفٌ مفصل جذَّاب لمناطقَ من لبنان، خصوصًا تلك التي قُبالة صنين بين تلال المديرج وهدأَة جُوْن. وتفاصيل أُخرى في بيروت.
هكذا نرى أَن لبنان شغَل أَكثر من روايةٍ وكتابٍ في العالم، وصدَرَت عنه نصوصٌ، بعضُها مُشَرِّفٌ وفي بعضِها الآخرِ دسائسُ تُحاك فيه. لكنه يخرج منها جميعًا ناصعًا بشعبه وتاريخه أَنى كانت وكيفما كانت فيه المؤَامرات الخارجية على أَرضه، كما أَحداث رواية “سيِّدة القصر في لبنان” وفيها أَشخاص فاسدون ليس أَقلَّ فسادِهم وُجُودُ صفقة أَورانيوم، كأَنَّ ما حصل في بيروت مع تلك الرواية قبل 95 عامًا، عاد وتكَرَّر قبل 55 يومًا، مساءَ 4 آب الماضي، في مرفإِ بيروت.
هـنـري زغـيـب