قبل شهرَين بالضبط (6 تموز) أَعلنَت جامعة هارڤـرد، بسبب كورونا، إِقفالَ حَرَمِها كُليًّا أَمام الطلَّاب، وإِعطاءَ جميع المحاضرات والندوات وَوُرشِ العمل إِلكترونيًّا تواصُليًّا عن بُعد، طوال السنة الجامعية 2020-2021.
ومصادفةً، في اليوم ذاته (6 تموز الماضي) أَعلن جورج ماغوها، وزيرُ التربية الكيني، إِقفال جميع المدارس في كينيا حتى مطلع السنة المقبلة، ووضَعَ لمعاودة الدروس برنامجًا دقيقًا يفصِّل إِجراءاتِ هذه العودة.
وفي أُوروپـا تَرَافَق فتْحُ المدارس مع تفاصيلَ دقيقةٍ من وزارات التربية، وأَحيانًا من رئاسة الحكومة، في إِرشاداتِ وقايةٍ حاليةٍ وإِجراءاتِ حمايةٍ وتوجيهاتٍ ارتقابيةٍ في حالِ عادَ الوباء وتفَشَّى بين الأَولاد.
وفي الدول العربية عاد التلامذةُ إِلى الصفوف في تدابيرَ خاصةٍ جدًّا وبلاغاتٍ مطوَّلَةٍ مكثَّفَةِ الصفَحات أَرسلتْها وزارات التربية إِلى أَهالي التلامذة، وفيها أَصغر التفاصيل لكيفية حمايةِ أَولادهم بِـإِجراءَاتٍ دقيقةٍ جدًّا منذ الوصول صباحًا حتى المغادرة وما بينهُما من حزمٍ في تطبيق التنبيهات المفروضة.
ونحن؟ ماذا عندَنا نحن؟ مَن يهتمُّ بأَولادنا ومدارسهم والتوجيهات؟ وأَصلًا: هل مِن توجيهات؟ وهل مِن إِجراءات؟ وهل مِنَ ارتقابٍ لِما قد يحصَل إِنِ ازداد تفَشِّي الوباء في المدارس؟
ماذا في التحضيرات عندنا غيرُ مناوشاتٍ ذات وقْعٍ سقيم بين وزيرِ تربية عديم ومركزٍ تربويٍّ عقيم؟ ماذا تُحضِّر الوزارةُ لافتتاح المدارس؟ ومتى؟ وكيف؟ وماذا عن مدارسَ متضرِّرةٍ في كارثة بيروت؟ وماذا عن مدارس الأَطراف؟ وكيف يتمُّ التعليم عن بُعدٍ لتلامذةٍ لا أَلواحَ ذكيةً لديهم، وغالبًا لا كهرباء؟ وماذا عن المدارس الخاصة؟ وماذا عن المدارس الرسمية؟
ماذا غيرُ تراشُقٍ بالتُهَم، ونَشْرِ وثائقَ سخيفةٍ تَدين أَصحابها؟ أَيُّ رؤْيةٍ لدى المسؤُولين للموسم الدراسي؟ أَيُّ خارطةِ طريقٍ للتعليم كما في سائر الدول المضروبة بالوباء؟ هل مَن يفَكِّر بتحديث المناهج التربوية وأَقْلَمَتِها مع الوضْع الخطير الحالي؟
مرَّةً أُخرى: هو الفسادُ العامُّ في لبنان ينخُر المسؤُولين في كلِّ حقْل وقطاع. الفسادُ في قتْل مستقبلِ التلامذة بعدما انهدَمَت البُيُوت على رؤُوسهم. الفسادُ في قتْلٍ مُـمَنْهَجٍ آخرَ بل دفنِ آخِرِ واحةٍ للبنانَ الحضاري. الفسادُ هو الاستقالة من المسؤُولية وتَــرْكُ كلِّ مدرسة تخطِّطُ وتقرِّرُ وتنفِّذُ وَفْقَما تَستَنْسِب.
إِبَّانَ أَشرسِ سنوات الحرب كانت مدارسُ تعمَل بـثلاثة دوامات يتنقَّلُ خلالها المدرِّسُون من مبنى إِلى آخَرَ لتأْمين التدريس فلا يتوقَّف، وإِن في ظروفٍ شبْهِ مستحيلة. والمدارسُ على خطوط التَمَاس انتقَلَت إِلى أَماكنَ آمنةٍ داخلَ المدن. لم يضعَف التعليم حتى في أَيام القصْف الشديد.
اليوم، جميعُ الدُوَل حَسَمَت قرارَها بآليَّاتٍ ومناهجَ وتخطيطاتٍ وبرامجِ أَقْلَمَةٍ مع الوضْع وارتقابِ وضْعٍ أَخطَر، إِلَّا نحن، إِلَّا عندنا، حيث حقْلُ التعليم بين أَيدي مسؤُولين ذَوي نُفُوسٍ هالكة، يتخبَّطون في جهْلهم وضَياعهم، لم يسمَعُوا بــ”السَنَة البيضاء” التي تَدرُسُ وتُوَجِّهُ القطاع التعليمي ومناهجَه وتدابيرَه الوقائيةَ والارتقابيةَ ومصيرَ الشهادات والامتحانات.
سَنَة بيضاء؟ أَعْلِنُوها… وادفِنوا نواياكُم السوداء!
كما تكونُون يُوَلَّـى عليكُم؟ لا. أَبدًا. مش صحيح. ما هكذا نحن، ولا هكذا يُوَلَّـى علينا. نرفُض أَن يُوَلَّـى علينا هؤُلاءِ الهؤُلاء.
إِنه أَسوأُ عصرٍ مرَّ على لبنان ويَـمُرّ، ولا مَن يُهْرَعُ أَو يُذعَرُ أَو يَستدركُ أَو يُـخَطِّطُ أَو له رؤْيةٌ ولو في حدِّها الأَدنى.
مئاتُ آلاف التلامذة ينتظرون، آلافُ المدرِّسين ينتظرون، المسؤُولون عنهم في إِقليمٍ آخَر، والبلاد… “سارحَة والرَبّ راعيها”.
ويا بِئْسَ بلادٍ مسؤُولوها عقيمون يتركون مسؤُولياتهم ويتركون البلاد تَجري متَّكلين أَنها “… سارحة والرب راعيها”.
هـنـري زغـيـب