بكل هدوءٍ، بدون صخْب إِعلاميّ، بدون حملاتٍ مع وحملاتٍ ضدّ، بدون تنظيراتٍ إِعلامية وتقديرات وتوقُّعات، بدون “توك شُوَ”ات يتبارى فيها محلِّلون وخبراء، بدون أَن يتصايح السياسيون أَمام ميكروفونات الإِذاعات وكاميرات التلـڤـزيونيات، استقبل إِيمانويل ماكرون المحامي الخمسيني رئيس البلدية إِدوار فيليـپ، أَخذَ منه بِيَدٍ مفتاحَ الحكومة، وباليد الأُخرى سلَّمه إِلى الخمسيني الآخر الإِداري رئيس البلدية الآخر جان كاسْتِكْس.
كان ذلك نهار الجمعة 3 تموز الجاري ومضت البلاد إِلى عطلة نهاية الأُسبوع: السبت والأَحد.
نهار الإِثنين 6 تموز كان جان كاسْتِكْس شكَّل حكومته الجديدة من 30 وزيرًا.
نهار الثلثاء 7 تموز صدرَت الجريدة الرسمية في ﭘـاريس حاملةً القرار رقم 166 (تشكيل الحكومة) بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
نهار الأَربعاء 8 تموز، بدون عنتريات وتصاريح، انصرف كلُّ وزيرٍ إِلى وزارته لـخدمة المواطنين والوطن.
نعم: هكذا بكل هدوءٍ، في ما سوى خمسة أَيام تخلَّلَها يومَا عطلة الأُسبوع، استقالَت حكومة وتشكَّلَت حكومة جديدة، بدون أَن يَهلع الناس من الفراغ، بدون أَن يتركوا أَعمالهم وأَشغالهم كي يتظاهروا مطالبين بحكومة اختصاصيين مستقلين، فالوزراء الجدُد والعائدون هم تلقائيًّا اختصاصيون كلٌّ في شؤُون حقيبته، أَيًّا يكن انتماؤُه السياسي أَو الحزبي خارج عمله في الوزارة.
في ما سوى خمسة أَيام تخلَّلها يومَا عطلة الأسبوع، أَخذ جان كاسْتِكْسْ يتولَّى حكومته من دون أَن يبكي ويتباكى ويستبكي بأَن أَشباحًا تمنعه من العمل وتُعيق انطلاق حكومته، من دون أَن يستنفد من الــ”لاروس” حروف السين وكلمات “سوف” كي يَعِدَ بما يخطِّط للبلاد من أَفكار عبقرية، من دون أَن يُوهِمَ المواطنين بـ100 يوم لإِنجاز القسم الأَول من مخططات دونكيشوتية سيحقِّق فيها 97% من مشاريعه، من دون أَن يُزيِّح الطريق عشرات المرات والأَيام بين قصر ماتينيون (الحكومي) وقصر الإِليزيه (الرئاسي)كي يَعرض تشكيلةً فيها حصصٌ لرئيس الجمهورية، أَو تشكيلةً معدَّلة فيها حصصٌ لرئيس مجلس النواب أَو الشيوخ، أَو تشكيلةً مصحَّحة فيها حصصٌ ترضي زعيم هذا التيار أَو رئيس ذاك الحزب أَو رأْس تلك الطائفة، أَو تشكيلةً تصطدم بعناد “لقاء تشاوُريّ”، أَو بولادة تجمُّع سياسي مستجِدٍّ مُفَبْرَكٍ لتقسيم قالب الجبنة على جميع الفاسدين الـمُنْعَم عليهم في موزايـيك البلاد السياسي والطائفي والمذهبي.
نعم: في ما سوى خمسة أَيام تخلَّلها يَومَا عطلة الأُسبوع، تشكَّلَت حكومة لتلبِّي حاجات المواطن اليومية وترتقبَ حاجاته المستقبلية، المواطن الذي يتطلَّع إِلى لقمة عيشه وراحة أُسرته وآخرُ همومه مَن يكون هذا الوزير أَو إِلى أَيِّ جهة سياسية ينتمي، فأَوَّلُ همومه أَن يَشعر بسقْف دولة تحترمه ولا تَحشُر الثقافة مع الزراعة لأَن الثقافة “كمالة عدَد” لتظبيط الكوتا السياسية والمحاصصة الزبائنية في البلاد.
في ما سوى خمسة أَيام تخلَّلها يَومَا عطلة الأُسبوع… ، وعلى الضفة الأُخرى من المتوسط تتداعى دولةٌ ليس الهمُّ فيها تشكيلَ الحكومة بل كم سيَطول الفراغ القاتل المدمِّر بين حكومة مستقيلة وحكومة لن تتشَكَّل إِلَّا بعدما تُنهِكُ الجمهورية القوية والوطن القوي فتَصدر حكومةً ممسوخة تدمِّر الجمهورية وتشوِّه الوطن، دولةٌ باتت بكامل طاقمها الفاسد باكيةً بكَّاءَةً ذليلةً بلا كرامة، تستعطي على رصيف الدول المانحة وتستعطف صندوق النقد الدُوَلي، إِنما لا تجدُ صدًى لنواحها لأَن العالم لم يَعُد يُصدِّق أَنَّ دموعَها بَشَرية بل يراها دموعَ فصائلَ أُخرى من الكائنات على وجه الأَرض.
هـنـري زغـيـب