الجوع وحَّدَهم، فخلَعوا استزلامهم وهرَعوا.
أَداروا ظهورَهم إِلى مستعبدي حريتِهم، ووجوهَهم إِلى مريدي الحرية، وهرَعوا.
أَإِلى حينٍ هرعوا؟ أَم إِلى الدَوام؟ وهل كانوا ينتظرون الجوع ليوحِّدَهم فاتحدوا بسائر من دَهَسَهم الجوع؟ أَين الحقيقةُ في كلِّ ما يجري؟
قبل أَيامٍ تلاقى أَمام المتحف الوطني نُقَباءُ ورؤَساءُ جامعات ليرفضوا سلوك المخرِّبين باسم الطائفية والمذهبية. وبقيَ الكلامُ كلامًا لأَن شياطين الفتنة لا يردعهم كلام ولن يرعَوُوا عن دسّ أَزلامهم ينتشرون مخربين في شوارع المدينة.
وقبلها اجتمعَت على خط التماس بين الشياح وعين الرمانة أُمهاتٌ مصرِّحاتٍ برفضهِنَّ أَيَّ عودةٍ لأَبنائهنَّ إِلى أَيام الفتنة، وبقي تصريحُهُن كلامًا لأَن الفتنة عادت فانتشرَت في شوارع المدينة.
وقبلذاك على جسر الرينغ (وأُحبُّ أَن أُعطيه اسمَه الحقيقي:”جسر فؤَاد شهاب”، استذكارًا ذاك الكبير الذي أَغنى لبنان مؤَسساتٍ ومات مقهورًا)، تعانَقَ شبانُ الجسر مع شبان الخندق الغميق، رافضين الاختصام، وتبادَلوا الزهور، وبقي موقفُهم كلامًا لأَن الفتنة عادت فانتشرت في شوارع المدينة.
ذلك أَن شياطين الفتنة لا يأْبهون للكلام لأَن مخططهم شرِّير مجرم. وإِليهم، لا إِلى قطعانهم، يجب أَن تتَّجه التظاهرات لأَن مَن ينزلون إِلى الشوارع مشاغبين مخربين هم أَزلام ومحاسيب لدى بيلاطُسيين يرسلون رعاعَهم ثم يغسلون أَيديهم تبرُّؤًا منهم.
كنا نرفض دومًا عبارة “الحرب الأَهلية” وندَّعي أَنها “حرب الآخرين على أَرضنا”. لكن أَسيادَ الفتنة كانوا يكذِّبوننا ويثْبتون أَن رعاعَهم يأْتمرون بهم فينزِلون كي يقاتلوا إِخوانهم اللبنانيين بشعارات طائفية أَو مذهبية أَو حزبية تخدم انقسامًا يريدُه أَسيادهم الداخليون المستزلمون بدورهم لأَسياد خارجيين.
أَيُّ حكَّام طغاةٍ هؤُلاء: يُنشئُون جيلًا على معايير الطائفة والانتماء السياسي والحزبي لا الكفاءة ولا الشهادة ولا المصلحة العامة؟
وظلَّ يشتد الغضب في القلوب والعقول والنفوس حتى هبَط الجوع ووحَّد الجميع فلم يعودوا متفرِّقين مستسلمين مستزلمين.
خلعوا شعارات أَسيادهم ووعَوا أَنهم كانوا وقودًا رخيصًا في مجامر السياسيين، وحبوبًا تافهة في سبحات الزعماء.
ووعَوا أَن يكرهوهم ويغضَبوا، أَن يقرفوا من سحناتهم القبيحة في الصحف، وأَصواتهم الكذَّابة في الإِذاعات، وشخصياتهم القميئة على الشاشات.
ووعَوا أَن يغضبوا ويرفضوا الانصياع للفتنة ويعصوا أَوامر أَسيادهم لأَن الجوع وحَّدَهم فهَرعوا، وتلاقَوا معًا، في جميع الشوارع تلاقَوا، في جميع الساحات تلاقَوا، في جميع المدن، وتلاقَوا أَحرارًا من كذَبة الطائفيين التجار في هيكل الحكْم، وتلاقَوا صوتًا وجهرًا ومطالب، وتلاقوا يجمع بينهم شعورُ الحقْد حيال جميع الحكَّام، والقهر من جميع الحكَّام، والثورة على حكَّام فاسدين مفسدين أَشرارٍ ضلَّلوهم واستعملوهم واستخدموهم واستعبَدوهم، فتلاقَوا معًا في ثورة الجوع تاركين وراءَهم بضْع حفنات ممن لا يزالون يصدِّقون التجَّار الكذبة.
تلاقوا جميعًا يكتبون بأَجسادهم الثائرة زمنًا جديدًا للُبنان، إِذا أَكملوا به هكذا يكون فعلًا عصر الغضَب والتغيُّر.
هـنـري زغـيـب