كما تُطِلُّ شمسُ العيد على البائسين فتُحوِّل رَماديَّهم أَلوانًا، وكوابيسَهم أَحلامًا، وقلقَهم آمالًا، أَطلَّ العيدُ فَرَحًا كثيرًا على الطفل اليمنيّ محمَّد، ابنِ السبع سنوات، من لُعبة بسيطةٍ بدائيةٍ شكَّلها حمَلَت له ولأَهله ما جعل لهم عيدَ الفطر هذا العام لا كسابق الأَعياد.
القصة، رَواها المصوِّر الصحافي اليمني عبدالله الجرادي للنسخة الإِلكترونية العربية من صحيفة “إِنْدِﭘِـنْدِنْت” وكان يُصوِّر لقطاتٍ فوتوغرافيةً من مخيَّم النازحين في مأْرِب (نحو 170 كلم شرقيَّ العاصمة صنعاء) كانت اجتاحتْه قبل أَيَّامٍ سيولٌ هائلةٌ جَرَفَت بعضَ خيامه. وإِذ كان صباحَ الإِثنين 18 الجاري يتنقَّل بين الخيام الممزَّقة، رأَى طفلًا بين يديه سلكٌ مَعدَنيٌّ رفيعٌ يجدُلُه بشكل نظَّارة. استسْماه فإِذا هو محمَّد. وعمَّا يفعل، أَجاب أَنه سيضعُها على عينيه ويمازح بها أَترابه في المخيَّم. سأَله أَن يشتريها، فحمَلَها الطفلُ عفويًّا وأَهداه إِيَّاها. قبِلَها المصوِّر وطلَب أَن يضعَها الطفل على عينيه كي يُصوِّرَه ففَرِح محمَّد بالفكرة مبتهجًا أَن يرى صورته بتلك النظَّارة. وحين عَلِمَ المصوِّر بالبُؤْس المؤْلم يعيش فيه محمَّد وأَهلُه في خَيمتِهم شبْهِ الممزَّقة، خطَرَ له أَن يُساعدَهم فيَنشُرَ صورة محمَّد بالنظارة على صفحته الفايسبوكية، عارضًا إِياها للبيع بالمزاد العلَني الإِلكتروني كي يُهدي الطفلَ محمَّد ثيابًا لعيد الفطر.
حين عاد المصوِّر إِلى بيته مساء الإِثنين 18 الجاري، كتَب على صفحته: “الطفل محمَّد، نازحٌ بسبب الحرب، التقيتُه اليومَ وأَهداني -مقابلَ أَن أُصوِّرَه – أَغلى ما يَفْخر به أَمام أَصدقائه: هذه النظَّارة التي صنعَها بيديه. أَعرِضها عليكم للبيع بالمزاد، كي أُساعدَ هذا الطفل فأَشتري له كِسْوَة العيد بالقيمة التي أَجمعُها من المزاد”.
مساءَ الثلثاء 19 الجاري، ولم تَمْضِ أَربع وعشرون ساعةً للصورة على صفحته، فوجئَ المصوِّر ببلوغ المبلغ المعروض نحو مليونَين ونصفِ مليون ريال يمنيّ، ما يعادلُ 4000 دولار أَميركي.
حَيَال تلك المفاجأَة، ارتأَى المصوِّر الجرادي أَن يشتري ثيابَ العيد لا للطفل محمَّد وأَهلِه فقط، بل لسائر أَطفال مخيَّم النازحين، ويبلغ عددُهم نحو 200 طفل.
وإِخال الطفلَ محمّد، في غَمرة العيد، كان فَرِحًا كما لم يفْرح من قبْل، بثيابٍ جديدةٍ جعَلَت عيد الفطر هذا العام، له ولأَترابه في المخيَّم، ذكرى لن ينسَوها طوال حياتهم.
هكذا إِذًا: من مبادرةٍ إِنسانيةٍ مؤَثِّرة، وتفاعُلٍ حيالَها على منصَّة إِلكترونية، تتويجًا لشهر رمضان المبارك شهرِ الصَوم والزَكاة وعمَل البر واستلهام روح الله ربِّ العالَمين الداعي إِلى نصرة الإِنسانِ أَخاه الإِنسان، تتجلَّى قيمةُ عطاءٍ يَجعلُ شمسَ العيد تُطِلُّ على البائسين فتُحوِّل رَماديَّهم أَلوانًا، وكوابيسَهم أَحلامًا، وقلَقَهم آمالًا وبُؤْسَهم فرحًا كثيرًا، كما جرى للطفل محمَّد الذي، من سِلْكٍ معدَنيٍّ مُهْمَلٍ اخترعَ لعبة، ومن داخلِ بؤْسه استولَد أَملًا، ومن بادرةٍ إِنسانيةٍ دخَل إِلى قلبه الفرَح. فمَن ليس معَه يُعطى ويُزاد، لأَنَّ لديه قدرةً على التغيير مُذْهِلةً قد تَنْحَتُ بسمةً على الوجوهِ المحرومةِ من الفرَح، بسمةً لا تَنْقُشُها حفنةُ دراهم وحسْب، بل تُهديها إِلى القلوبِ إِرادةٌ نبيلةٌ على حُبِّ المساعدة… ونُبْل العَطاء.
هـنـري زغـيـب