يكاد لم يبقَ أَحدٌ إِلَّا كرَّر “ما بَعد كورونا ليس كما قبلَه”. لكنَّ هذا تنظير يبقى مجانيًّا إِن لم يقترنْ عمليًّا بتشخيص ما “سوف يكون بعده” موائمًا نظامًا كونيًّا جديدًا يختلف عمَّا كان حتى اليوم، وينسفُ مفاهيمَ واعتباراتٍ ومزاولاتٍ ما عاد لها مكانٌ حيال نظامٍ لم يبقَ قديمًا فيه سوى الشمسيّ.
أَكتفي هنا بملمحٍ واحد يجب البدءُ به منذ تنشئة أَطفالنا في كتُبٍ تَطوي لغتُها وقصصُها كلَّ ما كانوا قرأُوه وشاهدوه.
انتهى زمن كتُب الأَطفال ذاتِ الخيال البعيد عن واقعهم في قصص حيوانات وجنِّيَّات وساحرات. انقضى زمنُ قصص “العنزة العنوزيَّة” و”ليلى والذئب” ومثيلاتها، ولم تعُد الجدَّةُ في كتبهم عجوزًا شَيباءَ ذاتَ نظَّارات سميكة تروي للصغار قصصها. الجدَّة اليوم في أَربعيناتها ممتلئةٌ ندى الصبا.
لكتُب الأَطفال الجديدة قصصٌ تثقيفية وقائية تعليمية في سياق ترفيهي، شخصياتُها ليسَت وهميةً بل واقعيةٌ تُبعد عنهم قلق قاموس حولهم لا يفهمونه ويخافونه لأَنهم لا يفهمونه.
في هذا السياق صدَر أَخيرًا عن “وكالة الصحَّة العقلية والنفسية” (اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، وبينها وكالة الصحة العالمية في جنيڤ) كتاب “أَنتِ بَطَلَتي” My hero is you (44 صفحة ملونة نصًّا ورسومًا) عن جرثومة كورونا وكيفية الوقاية منها. اعتمدَتْه حتى اليوم 104 بلدان في لغتها الأُم، يشرح الوباءَ والوقايةَ منه، عبْر قصة الطفلة سارة (5 سنوات) تشرح لها أُمها ماهية الوباء، حتى إِذا نقلَت الطفلةُ شروحَ أُمها إِلى رفيقاتها ورفاقها، عادت إِليها في نهاية القصة قائلة لها: “نبَّهتُهم كيف يَحتمون من الوباء، وكيف الأَطباءُ والممرضون أَبطالٌ في العناية بالمصابين”، فتجيبها أُمها: “أَبطال؟ صحيح، وبما فعلتِ، أَنتِ بَطَلَتي”، وتغمرُها بحنان.
وفي لندن قبل أَيامٍ صدَر الكتابُ الرقميُّ “وباء كورونا: كتاب للأَطفال” Coronavirus – A book for children (30 صفحة، منشورات “نوزي كراو” Nosy Crow واختصاصُها كتُب الأَطفال) برسوم الفنان الفرنسي أَكسِل شِفْلر Axel Sheffler، كتبَتْهُ ثلاث خبيرات تربويات في مدرسة وَارْف Wharf الابتدائية في لندن. والنَص: حوار في لغة سهلة يشرح “ما هو كورونا، مَن يلتقطه، ما الوقايات المطلوبة، لماذا الحجْر، هل مِن علاج له، كيف نعمل لتجنُّبه، وماذا يحصل عند انقضائه”. وختام الكتاب رسْمٌ جَـماعي لأَطفال الكتاب وذويهم وطبيب وممرضة، مع عبارة فرح من الجميع: “قريبًا ينتهي زمَن الحجْر ونعود إِلى اللقاء معًا ونغنِّي جميعُنا أَننا تغلَّبنا على كورونا”.
هما اثنان من كتُبٍ عدَّة صدرَت أَخيرًا حول هذا الموضوع الراهن، بعيدةٍ عن الخيال التقليدي، تُثَقِّف الأَطفال وتحفِّزهم بالتوعية الحقيقية غير الخيالية، وتُبعِد عنهم شبح الخوف عبر قصص ورسوم تهيِّئُ نفوسهم وتنْميهم على الشجاعة لا على الخنوع والهرب.
مع النظام الكوني الجديد بَعد كورونا، كلُّ قاموسٍ سيتغيَّر، ومنه لغةٌ جديدة في كتُبٍ للأَطفال توعويةٍ تثقيفيةٍ واقعيةٍ من محيطهم، بعيدةٍ عن خرافات الملكات والساحرات وحيواناتٍ لم يرَها الأَطفال و… لن يَرَوها.
هـنـري زغـيـب