“نقطة على الحرف” – الحلقة 1444
يا دني شَتِّي مصاري… شَتِّي علينا فلوس
“صوت لبنان” – الأَحد 29 كانون الأَول 2019

في معظم دول العالم لا يحتاج المواطن إِلى حـمْل مبلغ نقدي أَينما تَوَجَّه، لاتِّكاله تلقائيًّا على بطاقة الائتمان تَسري مفاعيلُها تلقائيًّا لأَن المصارف تسهل تلقائيًّا شؤُون الـمُودِعِين.

وفي معظم دول العالم، إِن لم يكن في جميعها، يرتاح الـمُودِعُ إِلى ما يدَّخِره في المصرف قرشًا أَبيض ليومه الأَسود، حتى إِذا بلَغَ سنَّ الراحة من العمل اليومي وارتاحَ إِلى تعويضٍ مُطَمْئِن، أَودَع الـمصرف جنى سنوات عمره كي تكون سندًا له في راحة العمر.

قلتُ “في معظم دول العالم”، وقلتُ “في جميعها”، موقنًا أَن الأَمر ينسحب تلقائيًّا عندنا. غير أَن الذين يقودون سفينة البلاد منذ سنواتٍ بُلُوغًا إِلى مَن يقودونها حاليًّا، أَوصلوا البلاد إِلى ما بلغَــتْه اليوم من انهيارِ وضعٍ سياسي كان هشًّا فَهَشَّشُوهُ أَكثر، حتى انسحبَ سوءُ القيادة السياسية على الوضع الاقتصادي فانهار الـمعنيُّون، وعلى الوضع المالي فانهار الـمُودِعُون.

ومن يرى أَصحاب الأَموال مصعوقين في وِقفة الذُلّ على أَبواب المصارف كي يستجْدوا حفنةً ضئيلةً من مالهم الـمُودَع، يفهم حجم التدهور الذي بلغَتْه البلاد بسبب سوء القيادة السياسية والاقتصادية والمالية، ويفهم كيف دَخل هذا الأُسبوع مواطن بالفَأْس إِلى الـمصرف كي يطلب بالقوَّة قبضة ليرات لن تُعينَه إِلَّا حفنةَ أَيام، ويفهم كيف رفع المغتربون اللبنانيون في أَفريقيا دعاوى على مصارف محلية لأَنها مَنعت التحويلات فـحالت دون شِرائهم موادَّ أَوليةً بواسطة المصارف اللبنانية لتسيير أَشغالهم في أَفريقيا، ما هدَّد أَعمالهم ومعاملهم ومعاملاتهم وشركاتهم لخطر الإِفلاس والإِقفال.

مقابل هذا المشهد، صحا أَولَ من أَمس سكان مدينة “كولورادو سبرينغز” على مشهد المواطن الأَميركي ديـﭭـيد أُوليـﭭـر الأَبيض الشعر واللحية تمامًا بهيئة “ﭘـاﭘـا نويل”، يُلقي في الشارع أَوراقًا مالية بعدما سطا على مصرف قريب وسرق مبلغًا كبيرًا وخرج يَنثره في الهواء مردِّدًا أُغنياتٍ ميلادية، داعيًا جميع المارة أَن يلتقطوا الأَوراق النقدية كي يَسهروا ليلة رأْس السنة.

وبعدما فرغت حقيبته من المال المسروق منثورًا على الرصيف ووسْط الطريق، رمى الحقيبة أَيضًا ودخل مقهى مجاورًا طالبًا فنجان قهوة منتظرًا رجال الشرطة الذين سرعان ما حضروا، صادروا سلاحه الذي هدَّد به موظفي المصرف، واقتادوه إِلى أَقرب مركز، فيما هو يضحك مرددًا أَنه فعل ذلك من أَجل الفقراء الذين لن يستطيعوا السهَر والفرح والمرح ليلة رأْس السنة.

هناك: “ﭘـاﭘـا نويل” طبيعي يرمي المال في الطرقات لأَجل فرح الناس، وهنا: يغيب “ﭘـاﭘـا نويل” عن حزن الناس لأَنه كلما دخل مصرفًا وجدَ فيه مواطنين واجمين أَو باكين أَو غاضبين، ولأَنه لن يستطيع أَن يسطو على المصرف كي يوزِّعَ لهم ما يسطو عليه، فالمصارف فارغةٌ أَو مفرَّغةٌ من المال ومن الإِيداعات ومن الضمير، والصراف الآلـيُّ استقال من خدماته وأَوكلها إِلى الصراف البشري الذي يُفيد من خطر الإِفلاس كي يتحكَّم دكتاتوريًّا بأَعصاب الناس.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib