نعرفها شعبيًّا بـــ”ساحة البرج”، وتَداوُلًا بــــ”ساحة الشهداء”، ويومَ انفجرت “ثورة الأَرز” وَسَـمْناها عن حق بــــ”ساحة الحرية”، ومنذ فجر 17 تشرين الأَول باتت عن جدارة “ساحة الثورة”، وارتفعَت فيها “قبضة الثورة” شاهدةً على انفلات غضب الشعب نهرًا هائلًا من اللبنانيين الأَحرار الرافضين “الوطن الـمُعلَّب” بقيادة سياسيين أَشرقَت شمس الحقيقة على فشلهم في قيادة البلاد.
قبل زلزال 1975 كانت في تلك الساحة بيضة كبيرة تفتَّقت عنها فكرةٌ معمارية طريفة ببناء صالة سينما على شكل بيضة لم تهنأْ طويلًا ببيضاويتها حتى أَصابها ما أَصاب قلبَ الساحة الأُم في عاصمتنا الغالية فتوقَّف نبضه وهجَر البيضةَ ما فيها ومن فيها.
وحين عادت الساحة من هجرتها ازدانت بنبْض العصر وعادت الحركة وتشاهقَت الأَبنية الحديثة، إِلَّا “البيضة” ظلَّت هامدة وسْط الحياة في كلّ ما حولها، حتى إِذا ضجَّت الساحة بثوار “تشرين اللبناني” فباتت واحتَهم المبارَكة من تَـجَمُّعٍ يومي غاضب وعرضٍ حقيقي يومَ الاستقلال وصرخةٍ يومية لحرية الشعب اللبناني الرائع، صعد الثوار إِلى “البيضة” فأَعادوا إليها الحياة، بدءًا من زرع عَلَمنا المقدس على جبينها الـمستعيدِ إِشراقَه، ومواصَلةً بإِعادة النبض إِلى قلبها تجمُّعاتٍ وحلقاتٍ وندواتٍ ولقاءاتٍ ومنطلَقًا موسيقيًا لإِيقاع الثورة، فإِذا بالثوار يعيدون إِليها اللباب في أَرجاء الخراب.
وفيما عادت الحياة إِلى بناية اللعازارية وتـمثال الشهداء، وترمـَّمت كاتدرائية مار جرجس، وتعمَّم مسجد محمد الأَمين حاضنًا الشهيد الرئيس رفيق الحريري، ونبضَت جميع الأَبنية المحيطة، ها هي “البيضة” من جديد عادت إِليها الحياة ونبضَت فيها الحركة منذ أَعاد إِليها الثوار دورها وحضورها لتعود ذاك الشكل المتميِّز بين أَشكال مأْلوفة.
هي الثورة نفثَت في الخراب حياةً فحوَّلت السائد المسموم خرابًا بمن فيه وما فيه، وهدَّمت الهيكل الموبوء على تجار الهيكل الفاسدين من جَدٍّ لأَبٍ لـحفيد، وها هي تجتمع في “البيضة” اعتصامًا وعصمة وعصيانًا، وفي غضب الثوار، أَدركوا أَم لم يقصدوا، أَن البيضة رمزُ الخصوبة والحياة، رمزُ البدايات والـمَطالع، رمزُ الرحم التي فيها تتكوَّن النُطفة جنينًا ثم وليدًا مشرقًا بالأَمل يطْلع على الحياة دفقًا قويًا يخلع الطغاة عن عروشهم ويزلزل حكْم الـمُفسدين الفاشلين، المتسلِّطين على الشعب، الوارثين الزعامَة بلا استحقاق، السائسين غير المستحقين شرفَ القيادة، فيكونُ الوليد الطالع من الرحم/البيضة فجرًا جديدًا للبنان الجمهورية الجديدة.
وليس أَسطع من “بيضة” ساحة الثورة، يَنقُر لبَّها الثوارُ فتنكسر قشْرتها، ومن قلب البيضة تولَد الحياة الفتيَّةُ لوطن متجدِّدٍ طالع من زمن الغضب والتغيُّر إِلى غدٍ نقيٍّ، شمسُهُ غضبةُ الثوار، قَمَرُهُ إِيمانُ الشهداء، نهارُهُ مساحة الحرية، وليلُهُ فسحة الأَمان يغفو فيها الوطن الغالي بلا قلقٍ على طلوع الصباح.
هنيئًا لشعبنا الرائع رمزُ “بيضة ساحة الثورة” تولدُ منها لوطننا الجديد حياتُنا الجديدة.
هـنـري زغـيـب