ارتفاعُ أَسعار البصَل يُقلِق الحكومة”!
هكذا، بكل بساطة، وَرَدَ العنوان من وكالة الصحافة الفرنسية وتناقَلَتْه وسائل الإِعلام والصحافة والتواصل. واستعادت الصحافة ظاهرةً مماثلة في انتخابات 1980 حين ناهضَت المرشَّحة إِنديرا غاندي خصومَها بسبب ارتفاع الأَسعار فناصرَها الناخبون وأَوصلوها إِلى رئاسة الحكومة.
أَواخرَ الشهر الماضي تكرَّر الأَمر في الهند حين حظَّرَت الحكومة على المزارعين تصدير البصَل لاحتواء التضخُّم الناجم، فَنَجَمَت عن الحظْر تحركات شعبية راحت تهدِّد الحكومة وتدعو إِلى استقالتها. فالبصَل موردُ الفقراء وكَسادُه يَضرب لهم هذا المورد ويزيدهم فقرًا وتعاسةً. وعن الأَنباء أَنَّ سكَّان مقاطعة ماهاراشتْرا (شـمالـيَّ البلاد) ضربَت الظروف المناخية موسم البصَل عندهم فارتفعت أَسعاره، وزاد من سوء التصريف منعُ التصدير (خصوصًا إِلى بنغلادش والنيـﭙَّـال). اشتعل الشعب غضبًا وهدَّد بإِسقاط الحكومة فأَلْغت قرار الحظْر وخفَّضَت الضريبة على البصَل الـمُصَدَّر، وكان ذلك عشية الانتخابات التشريعية (21 تشرين الماضي).
نعم: ثورةُ البصَل في الهند تُزلزِل الحكومة وتُطيح أَحزابًا وحكوماتٍ ورؤُوسَ سياسيين. البصَل سلعة ضرورية رئيسَة في طعام المواطنين اليومي، وزيادة سِعره تُخلخِل طمأْنينَتَهم وتقودهم إِلى الثورة. ولأَنه مورد أَول لدى مقاطعات زراعية كبرى في البلاد، تراجعت الحكومة عن قراراتها وأَثبتَت أَنها ليست صمَّاء بل تَسمع صوت الشعب، وتُصغي إِلى هموم الشعب، وتُقدِّر أَزمة الشعب، وتعدِّل في قراراتها لـمصلحة الشعب فلا تُكابِر ولا تُعاند ولا تَقمع شعبها، ولا تتصرَّف صلَفًا في مراتعها كأَن الشارع أَخرس، ولا تراهن على أَن الناس في الشوارع سيَتعَبون ويَــيأَسون ويَؤُوبون إِلى بيوتهم فتُشرق في اليوم التالي شمس جديدة على حكومة قديمة تُكمِل في غيِّها صارفةً سمعًا ونظرًا عن حناجر الشعب الهاتفة بإِسقاطها لأَنها فشلَت في قيادة البلاد إِلى التقدُّم والازدهار.
لا ضرورة هنا إِلى التذكير بتظاهراتٍ وثوراتٍ في العالم وتحرُّكاتٍ شعبية حرَّكت ركود الحكْم وظلَّت تُخلخِل جذورَه وجذوعَه وفروعَه حتى خَلَعَتْها جميعَها فانهار الحكْم بأَركانه ووزرائه ونوَّابه وزعمائه وزَبَانيته ومحاسيبه وأَزلامه وحاشية البلاط، وقام عهدٌ جديد لـحُكْم جديد لا يدَّعي صَلَفًا مُكابرًا بأَنه “الحكْم القوي”. القوة ليست الحاكم بل الحكمة في قيادة الرعيَّة، والقوة ليست في أَهل الحكْم بل في الشعب القويّ بـما يوفِّر له الحكْم من هناءَة حياة وراحة عيش.
بلى: البصَل أَقوى من السياسة وأَهَـمُّ من السياسيين وتغاضيهم وتجاهُلِهم مطالبَ الشعب.
صوتُ الشعب من صوت الله؟ صحيح. ولكن الأَهمَّ تَنَبُّهُ الحكَّام أَنَّ الشعب هو الذي حملَهم على كرسيِّ الحْكم، والشعب وحده قادر على إِنزال هذا الكرسي وتحطيمِه ونَزْعِ الوكالة التي أَوصلَت أَهل الحكْم إِلى كراسيهم.
إِن حكْمًا لا يُصغي إِلى صرخات شعبه، يَـجيْءُ يوم لن يَـجِد فيه مكانًا له كي يَـختبئَ مرعوبًا من ثورة شعبه.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib