… وتنطلق الأُغنية على لسان حيوانات الغاب في فيلم “الأَسَد مَلِكًا”، أَنتجَتْهُ وُوْلْت ديزني صورًا متحرِّكة (1994) واستعادتْه في نسخة جديدة تجول حاليًّا في صالات السينما.
“هاكونا ماتاتا”، في اللغة السواحلية (شعوب شرق أَفريقيا)، تعني “لا تهتمّ مهما حصل”. ومطلع الأُغنية على لسان حيوانات الغاب: “هاكونا ماتاتا… ما أَلذَّ هذه العبارة… عِشْ يومَك بدون قلَق ولا تهتمّ للأَيام التالية… هذه فلسفتُنا لـحلّ مشاكلنا”.
كم تشبهنا هذه العبارة! ففي عباراتنا اللبنانية مثيلات لها: “بسيطة…”، “وَلا يهمَّك”…، “الدني بتنهَزّ ما بتوقع”، “حايِده عن ضهري”…، “يصطفلوا” … إلى آخر هذه “الـمَعْلَيْشِيَّة” الخانعة التي تستسهل أُمورًا معقَّدة فتحِلُّها بكلمة واحدة: “بسيطة”.
هذه حالنا مع “أَولياء أَمرنا” من قادة البلاد وزعمائِها ومقاطـعـجِــيِّــيْــها: يَـحِلُّون كلَّ معضلة ببساطةِ “هاكونا ماتاتا”.
الـحَرَد السياسي يزداد، والمعالجة: “هاكونا ماتاتا”. النَكَد السياسي يتصاعد، والحل: “هاكونا ماتاتا”. التصلُّب السياسي يعقِّد الحلول، والجواب: “هاكونا ماتاتا”. الـمُواطنون يَـــئِـــنُّــون، والـمسؤُولون: “هاكونا ماتاتا”.
هكذا بكل بساطة: لا يُقْلِقُهُم وضْع، يعيشون بكل رخاء وطمأْنينة، بينهم وبين الشعب وادٍ من “الـمَعْلَيْشِيَّة”.
“هاكونا ماتاتا” ويَؤُوبُون إِلى بيوتهم بِـمواكب سياراتهم الداكنة الزجاج، آمنين هانئين في دفْءِ عائلاتهم، وعائلاتُ الوطن مرعوبة من غـدٍ ينهار فيه الأَمنُ والاقتصاد، وتتدَهْوَر معه الليرة، ويتكسَّر الأَمل، ولا مَن يهتمُّ ولا مَن يُـجيب إِلَّا بِـمَعْلَيْشِيَّة “هاكونا ماتاتا”.
“هاكونا ماتاتا” والشعب يجوع. “هاكونا ماتاتا” والمواطنون يَغرَقون في النُفايات. “هاكونا ماتاتا” والبطالة تزداد. “هاكونا ماتاتا” وشبابنا يتخرَّجون من الجامعات ويدخلون أَبواب الطائرات.
السياسيون “هاكونا ماتاتا”، والشعب يتكسَّر “فُــتَاتا”. “هاكونا ماتاتا” وأَهلنا يندُبون مَن يأْسًا “ماتا”. “هاكونا ماتاتا” والحكَّام يتنمَّرون “عُتاتا”. “هاكونا ماتاتا” وشعبنا بات في ديار العالم “شتاتا”.
اللبنانيون ينتظرون حلًّا، أَملًا، ضوءًا، انفراجًا، والـمسؤُولون يَــتَــوَيْــتَـرُون في ما بينهم: “التْوِيــتِـر” أَسهل الطُرُق الـمِتراسية للتصويب، فالرماية، فالرَدّ، فالرَدّ على الرَدّ، ويَـــتَّسع وادي “هاكونا ماتاتا” بينهُم وبين الشَعب، فيما هم يُوَتِّـــرُون ويَــتَــوَتَّــرُون ويَسْـتَـوتِـــرُون.
الشعبُ القلِقُ الخائفُ يترقَّب كلَّ صباح فرَجًا: تجتمع الحكومة، لا تجتمع، يرضى هذا، يعارض ذاك، حتى بات انعقادُ مجلس الوزراء “حَدَثًا” يفرح له الناس، بينما هو عمل روتيني أَقلُّ من عاديٍّ في بلدان العالم.
الشعب منتظِرٌ حلولًا لـمُعضلاته الـمتفاقمةِ الرعب والأَهوال ويتوقَّع حلول الـمسؤُولين، فلا يرى مساءً على شاشات الأَخبار إِلَّا اجتماعاتهم، و”ديوانياتهم”، وتصاريحهم النارية ضدَّ بعضهم البعض، وعنادَ هذا، وتَصَلُّبَ ذاك، ودَلَع ذلك، ولا يُوجِعُهم قلقُ الناس.
في فيلم ديزني “الأَسد مَلِكًا” تَدور أُغنية “هاكونا ماتاتا”، لكنَّ الأَسد وحدَه مَلِكُ الغاب.
وعندنا تَدور الأُغنية ذاتُها، إِنما في شريعة الغاب التي يَـحكُمُها ويَتَحَكَّم بها ملوكُ “الإِقطاعات اللبنانية الـمتحدة”: كلُّهم حاكم، كلُّهم ملِكُ الغاب، وكلُّ إِقطاعي يَـحِلُّ مشاكل مقاطعته بِـمزاجٍ من طراز “هاكونا ماتاتا”.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib