انطلَقَت منذ أَيام، وباقيةٌ لأُسبوعٍ بعد، حملةُ وزارة البيئة لتنظيف الشاطئِ نهارَ الأَحد الـمُقْبل. وهي حملةٌ وطنيةٌ على طول شاطئنا من أَقصى الشِمال إِلى آخر الـجَنوب، جسَّدتْـها في الفيلم الإِعلامي وجوهٌ مُغَطَّاةٌ خجَلًا من نُفاياتٍ على شاطئِنا متعدِّدَة الأَشكال والأَنواع والأَوبئَة والقَرَف.
إِنها حملةٌ مشكورةٌ من وزارة البيئة، واءَمَتْها بِشِعار “نُنَظِّف سُــمْعتَنا بتَنْظيف شاطِـئِـنا”. ولكنَّ هذه الحملة ليومٍ واحد، فَلْنَعْتَبِرْها جرَسَ إِنذارٍ كي تَتواصلَ الحملةُ يوميةً في ضمير المواطنين فيرتَدِعُوا عن رمي نُفاياتهم أَنَّـى وكيفما اتَّفق، بدون أَيِّ وازعٍ من ضميرٍ مواطِـنِّــيٍّ. ولكي لا نرمي اللومَ دومًا على الدولة (مع أَن “جسمها لَبِّـيـس”) فلن نطلبَ من الدولة أَن تضع شُرطيًّا خلف كلِّ مواطن، ولا أَن تُـجَــنِّدَ طاقاتِها الأَمنِيَّة لـمكافحة مواطنين رُعَناءِ وقِحين لا يتردِّدون عن توسيخ شوارعنا وشواطئنا وطرقاتنا وجبالنا وقرانا بجميع أَنواع زبائلهم الـمُسَرطَنَةِ الأَشكال والأَنواع.
العلَّةُ أَوَّلًا في الـمُواطن غير الـمسؤُول، وتاليًا في الدولة التي لا تُـتابع ولا تُراقب ولا تَردَع مُـمارساتٍ يوميةً وقِحةً يَزيد بها الـمواطنُ وطنَه خجلًا على خجل، وعارًا على عار.
لم أَجِدْ يومًا شرطيَّ سيرٍ نظَّم مخالفةً بمواطنٍ رمى كيسًا من سيارته على الطريق العام، ولا شرطيًّا بلديًّا نظَّم مخالفةً بِـمواطنٍ رمى كيس زبائِله بعيدًا عن مستوعب النفايات، فيما هذه الـمخالفاتُ عقوبتُها صارمةٌ موجعةٌ قاسيةٌ في جميع بلدان العالم، ولافِتاتُها التحذيريةُ موزَّعةٌ في الشوارع العامة والطرقات الفرعية والأَحياء السكنية والشواطئِ، رادعةً رميَ النفايات في غير مستوعِباتها.
هذا عن تقصير الدولة. أَما عن تقصير المواطن في واجباته الوطنية، فلا كلامَ يتَّسع لتَعداد مخالفاته التي يرتكبُها يوميًّا مطمئِنَّ البال والقلب والضمير إِلى أَنَّ الكرْمَ السائبَ يشجِّع المارَّة على السرقة، والمالَ السائبَ يُغري اللصوص. فهذا الـمواطنُ ذاته الذي يرتكب الـموبقات البيئية في لبنان، لا يتجاسر في أَيِّ بلدٍ من العالم على رَمْيِ قشرة موزٍ من نافذة السيارة في الشارع، أَو رميِ كيس النفايات خارج المستوعِب، أَو تلويثِ رمال الشاطئِ بأَيِّ زبائلَ تبْتَلعُها مياهُ البحر فيتلوَّثُ الشاطئُ ويتلوَّثُ البحر. وهو ليس يفعلُ، لا كَرَمًا من أَخلاقه الحميدة بل خوفًا من ضبْطِه متلبِّسًا بـمخالفةٍ تمتدُّ عقوبتُها بلا رحمةٍ حتى السجن الـمَرير.
مرةً أُخرى: مَشكورةٌ وزارة البيئة على حملتِها ليومٍ واحدٍ، وعلى ما قد تقوم به لاحقًا من حمَلات شبيهة، إِنما فَلْتَتَوالَ الـحمَلات متواصلةً توعويَّةً في جميع حقول العناية والاهتمام، حتى يرعوي الـمواطنُ الأَرعنُ اللامسؤُول. فالحملةُ النظريةُ وحدَها لا تكفي، والأَفلامُ الإِعلاميةُ وحدَها لا تكفي، واللافتاتُ في الشوارع وحدَها لا تكفي، إِن لم تَـحزُمْ أَمرَها الدولةُ بِـمَحاضرِ ضبْطٍ موجعةٍ قاسيةٍ هي التي تَكفي لِزَجْرِ الـمُواطِن وارتداعِه وتَنَـبُّـهِهِ إِلى أَنه، حين يتظاهر ضدَّ الدولة لـمُطالبتِها بحقوقِه، من حقِّ الدولة بدورها أَن تَقْسو عليه لـمطالَبَتِه بواجباتِه لا تجاهَ الدولة بل تجاهَ الوطن وسُـمعة الوطن. فَمَن لا يقوم بواجباته، لا يحقُّ له أَن يُطالِبَ بِأَيِّ حقوق.
هكذا نكون نَظَّفْنا بلادَنا من زَبائِل الـمُخالفين فلا نَعودُ نَستُرُ وَجْهَنا خجلًا.
وهكذا نكونُ نظَّفْنا سُـمعة لبنان تجاه العالم.
هـنـري زغـيـب