وسْط طَوَفان اللغْط، هذه الأَيام، من التنظير والتفكير والتبرير والتذكير بِـمواضيع “وقْف الهدر” و”مـحاربة الفساد” و”تَلَوُّث البيئة” بَرًّا وبَـحرًا وجَوًّا، وتسابُقِ الـمسؤُولين – يا عطَّر اللهُ أَفواهَهم – على الـمُبارزات الكلامية: حول الكهرَباء بين استِـئْجار البَواخر أَو إِنشاء الـمصانع، وحول النُفايات بين بناء الـمحارق أَو بناء الـمطامر، يُغفِل الـمَعنيون – أَو يتغافلون أَو يُغَفَّلون – عن وباءٍ خطِرٍ قاتلٍ مدَمِّرٍ بيئَتَنا أَكثر من سرطان مطمَر الكوستابراﭬـا وبرج حمود ودواخين شكا والزوق، هو وباء الأَواني الـﭙـلاستيكية.
الدراساتُ الكثيرة التي صدَرت وتصدُر عن خُبراء البيئة، تُشير واضحةً إِلى أَنَّ المادة الـﭙـلاستيكية لا تذوب ولو في عشَرات السنين، وتاليًا تُسبِّب انبعاثاتٍ سامَّةً في الهواء تُضِرُّ بالصحة تَنَفُّسًا وجراثيمَ وأَوبئةً تتغلغل في الرئَتَين، تعشِّش فيهما وتظلُّ تَنخُر فيهما حتى تُدمِّر قدرةَ التنفُّس فتؤَدِّي إِلى الموت اختناقًا، عدا ما تُسبِّبه من أَنواع السرطان التي لا عـدَّ لها.
الناشطُون البيئيون الذين يُعْلُون الصوتَ ضدَّ الدولة وإِهمالها الـمطامرَ وارتباكِها حَيال الـمحارق – وهم يعلَمُون أَنَّ صراخهم لن يُـجدي في أَسماع دولة السمسرات والصفقات ومغاور علي بابا – الأَجدى لهم والأَجدرُ بهم أَن يتوجَّهوا إِلى الشعب في صيحات محذِّرةٍ توعويةٍ عن خطَر الـﭙـلاستيك، وضرورةِ التخلِّي عن استعماله، والاستعاضة عنه بأَيِّ مادةٍ أُخرى صالحةٍ للتحلُّل وإِعادة التدوير، كالأَكياس الورَقية والقناني الزجاجية والصحون الكرتونية وسائِر الـمواد التي تتحلَّل في التُربة أَو في الـماء، فلا تبقى على سطح الأَرض أَو على صفحة الـمياه طافيةً موزِعةً أَضرارَها الـمُرعبةَ على حياة المواطنين.
أَرى أَحيانًا منتجاتٍ تَذْكر على مستوعِباتها أَو قواريها أَو قنانيها أَنها ﭘـلاستيكية لكنَّ مادَّتها قابلةٌ للتحلُّل والتفتُّت والاندثار. فَلْيَتَنَبَّه المواطنون إِذًا إِلى هذا الأَمر ولْيَقْتَنُوا تلك الـمُنتجات إِن كانت ليست متوفِّرةً بغير الـﭙـلاستيك.
أَما اقتناءُ الـﭙـلاستيكيات في الاستخدامات اليومية، فهو كـمَن يَطعنُ جسدَه بِـخناجرِ الأَوبئَة الـمميتة والجراثيم القاتلة. وطالـما المواطنُ اللبناني لم تعُدْ لديه ثقةٌ بِدَولته وتوصياتها وتوجيهاتها وتنبيهاتها، فَلْتَتَحَرَّكِ الأَنشطةُ الاجتماعية والصحية، والجمعياتُ البيئية، والهيئَاتُ المدنية إِلى إعلاء الصوت ونَشْر التوعية في جميع الوسائل الـمُتاحة، ولعلَّ أَسرعَها اليوم وسائطُ التواصل الاجتماعي التي باتت في معظمِها مِنَصَّاتٍ سريعةً لنقْل الأَخبار الكاذبة وغيرِ الدقيقة وسائرِ الصوَر والأَفلام والنكات الإِباحية، فَلْتُسْتَخْدَمْ، ولو قليلًا، لـمنفعةِ الشعب، لأَنها أَسرع وسيلةٍ لبلوغ الناس، فالأَجدى والأَجدرُ أَن تُشَكِّل توعيةً إِلكْترونيةً موثَّقَةً عن ضَرَرِ هذا التنِّين الـمُتربِّص صامتًا في بُيُوتنا بين الأَواني الـﭙـلاستيكية الصامتة.
هـنـري زغـيـب