“أَزرار” – الحلقة 1080
أَن  يُسافِـرَ  يوميًّا  فـي الزمان
“النهار” – السبت 30 آذار 2019

الـمُسرعُون إِلى التقاط الصُوَر تحت “شُرفة جولـيـيـت” أَو مع تِـمثالِها في ﭬـيرونا، قد لا يعرفون أَن شكسـﭙـير لـم يَــزُر ﭬـيرونا بل كتب مسرحيته “روميو وجولييت” (1595) متأَثِّــرًا بترجمةٍ إِنكليزيةٍ عن قصةٍ قصيرةٍ لـلأُسقف الإِيطالي ماتِّـــيُــو باندلو (1555).

والآلافُ الذين يشاهدون سنويًا مسرحية “تاجر البندقية” قد لا يعرفون أَن شكسـﭙـير لم يَــزُر تلك المدينةَ البحرية بل كتب مسرحيته (1598) متأَثِّـــرًا بترجمةٍ إِنكليزيةٍ عن قصةٍ قصيرةٍ للكاتب الإِيطالي جيوﭬـاني فْــيُــورِنْــتِــيــنُــو (1378).

والعشراتُ الذين تجمَّعوا حول الأَمير تشارلز ولي عهد بريطانيا وهو يُــزيح الستارةَ عن تـمثال شكسـﭙـير وَسْط المركز الثقافي التاريخي في قلب هاﭬـانا، يعرفون حتمًا أَنَّ شكسـﭙـير لم يَـزُر كوبا لكنَّ أَعمالَه تُغذِّي مسارحَها.

عن استفتاءٍ أَصدَره “الـمركز البريطاني الدولي” في لندن (شـمَلَ 18 أَلف شخص من 15 بلدًا حول العالَـم) أَنَّ شكسـﭙـير ما زال يُـخاطبُ فئاتٍ عمريةً مختلفة مـمَّـن يقرأُونه ويُـحبُّونه ويُشاهدون أَعماله ويَدرسونها، وأَنَّ نسبة متابعيه في المملكة المتّحدة بلغَت 59% بينما بلغَت خارجَها 65%، أَي أَن شعبية شكسـﭙـير خارجَ بلاده أَوسعُ مما لدى مواطنيه.

وعن تصريح روزماري هيلْهُورْسْت (مديرة قسم شكسـﭙـير في “المركز البريطاني”) أَنه “بعد 400 سنة على وفاته (1616 عن 52 عامًا) ما زال ذا تأْثير مباشِر على تَــثْــقيف الملايين من شعوب العالم، وعلى إِسهام أَعماله في تَوَهُّج المملكة المتحدة وفي تغذية اقتصادها”.

هذه هي العالَـمية في أَبهى تَـجلِّياتها، وهذا هو العالَـمِيُّ الـعابرُ الـمكانَ والزمانَ الـمُستحقُّ شرفَ أَن يَـحملَ بلادَه في آثاره ولو بعد قُرون.

العالَـميةُ ليست اسمًا مفردًا في التداوُل، ولا شُهرةً فرديةً في الإِعلام. عالَـميًّا يكون مَن يَنفع وطنه على حياته، وبعد غيابه ينتفِع منه وطنُه ومعه سائِر الأَوطان. إِديسون عالَـميّ، ﭘـاستور عالَـميّ، كاريــير (مخترع جهاز التبريد) عالَـميّ، فيكتور هوغو، موزار، بيتهوﭬـن،… وتطول لائحةُ أَعلامٍ حقَّقوا في حياتهم ما حقَّقوه، وبعد غيابهم تَوَاصلَ إِرثُهم حيًّا إِلى البلدانِ والقاراتِ عبْر ملايين مَن يستفيدون منه في الطب أَو العلْم أَو الآداب أَو الفنون على جميع المستويات: من لقْمة العيش إِلى تنصيع الزمان بأَسماء أُولئِك الخالدين.

وعلى صورة مَن يعيشون حتى اليوم من أَعمال شكسـﭙـير (مُـمثِّلين ومُـخرجين وموسيقيين ومترجـمين وعمَّالًا وتقْنيين ومؤَسسات) يستحقُّ رتبةَ العالَـمية الخالدة كلُّ مَن لا يُــغَــيِّــبُـه النسيان على مَــرِّ الزمان، فيظلُّ جيلًا بعد جيلٍ مُلْهِمًا آلافَ مَن يستمدُّون منه راحةً ماديةً، أَو نفحةً روحيةً  كالتي ما زالت تتوهَّجُ حتى اليوم، إِصدارًا بَعدَ إِصدارٍ، في صفحاتِ لبنانـيٍّ خالدٍ أَصدَر كتابًا ضئيلًا ذاتَ سنةٍ (1923) وما زالت طبَعاتُه سنةً بعد سنةٍ تُعاد، وترجماتُه تُزاد، ومنها جميعِها يُستفَاد.

لبناني عبقريٌّ خالدٌ يدعى جبران خليل جبران.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib