“نقطة على الحرف” – الحلقة 1400
أَسْرِعوا إِلـى قبرص
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَـد 24 شباط 2019

عادَت إِلى التداوُل مسأَلةُ الزواج المدني الاختياري، وعادَت تطفو تَردُّداته بين المواطنين، وفي الـمجالس العامة والخاصة، وعلى صفحات الجرائد ومواقع التواصل، بعضها مترصِّنُ المناقشة، وأَكثرُها انفعالـيٌّ يستشيطُ بِــرُدودٍ تَخلو من الموضوعية.

أَتناولُ الأَمر بكل هدوء: في مقدمة الدستور اللبناني، في الفقرة ج، وَرَد: “لبنان جمهورية ديمقراطية ﭘـرلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأْي والمعتَقَد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أَو تفضيل”. وفي الفقرة ح من المقدمة ذاتها وَرَد: “إِلغاءُ الطائفية السياسية هدفٌ وطنيٌّ أَساسيٌّ يقتضي العمل على تحقيقه وَفْقَ خطةٍ مرحلية”.

وفي إِنجيل مرقس، الفصل العاشر الآية 9 وَرَد: “الذي جَمَعَه الله لا يُفرِّقُه إِنسان”.

أَفتحُ القرآن الكريم، وأَقرأُ في سُورة هود الآية 118: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَـجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً”، وفي السُورة ذاتها أَقرأُ من الآية 123: “وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه، وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”. وفي سُورة البقرة أَقرأُ من الآية 256: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين”، وفي سُورة الحج أَقرأُ من الآية 17: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ هَادُوا، وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد”.

أَقرأُ، أَقرأُ، ولا أَجِدُ مَلْمَحًا لـزَجْرٍ في عناقِ زوجَين من دينَين مختلفَين أَو مذهبَين مختلفَين أَو طائفتَين مختلفتَين.

وإِنْ كان لا إِكراه في الدين، فكيف يكون إِكراهٌ في الدنيا؟ وإِنْ كان الطرحُ زَوَاجًا مَدَنيًّا اختياريًّا، فأَين الإِكراه؟ وأَين الـمَسُّ بجوهر الدين؟

وإِنْ كان ما يجمعُه الله لا يُفرِّقه إِنسان، وإِنْ كان الذين آمنوا والنصارى يفصل الله بينهم يوم القيامة، فمَن له سُلْطةُ الزَجْر أَو حقُّ الفصل أَو أَمر التفرقة بين زوجَين اختارا طوعيًّا أَن ينعقدَ بينهما زواجٌ مدى الحياة؟

وإِذا الزواجُ المدني المتمَّم عقْدُهُ في الخارج، معترَفٌ به في لبنان وتُسجِّلُه دوائرُ النفوس في الأَحوال الشخصية، فَلِمَ لا يُعتَرَف به إِذا تَـمَّ على الأَراضي اللبنانية؟

الزواج المدني ليس ضدَّ الدين ولا ضدَّ العقْد الديني. إِنه عقْدٌ مُـحْكَم البنود، حافظٌ حقوقَ الطرفين، يمكن حصولُه حتى بين أَبناء الدين الواحد والمذهب الواحد كما في تونس وتركيا حيث لا اعترافَ رسميًّا إِلَّا بعقْد الزواج المدني حتى بين عروسَين مسْلمَين.

أَقرأُ، أَقرأُ، ولا أَجدُ جوابًا مقْنعًا يشير إِلى مخالفة الدين أَو الدستور، أَو كنتُ أَظنُّني لا أَجد جوابًا، حتى وجدتُ مَلْمحًا منه في إِحصاءٍ وصلني من جمعية “غربال” جاءَت فيه الأَرقام التالية: المبالغُ المرصودةُ من الدولة سنويًّا في موازنة 2018، هي 41،333،500 دولار للمحاكم الروحية والمحاكم الدينية والمحاكم الشرعية ودوائر الإِفتاء والمجالس المذهبية في لبنان. بينما المبالغُ المرصودةُ لثلاثٍ وزاراتٍ (البيئة، الصناعة، الرياضة والشباب) هي 25،558،700 دولار. يعني أَن موازنةَ الدولة لحظَت للمُؤَسسات الدينية نحو ضعْف ما رَصَدَتْه لثلاث مؤَسسات مَدَنية.

هذا، ولبنان يسعى إِلى أَن يكون دولة مَدَنية؟

قلتُ في مطلع هذا النص إِنني سأَتناول الأَمرَ بكل هدوء. لذا تركْتُ الأَرقام تَــتَـكَــلَّـم.

ومن له أُذُنان قارئَـتان، فليُسْرع إِلى… قبرص.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib