قبل يومَين من غُروب السنة الماضية، صدَر في الــ”نيويورك تايـمز” مقال “حياةٌ جديدة لكتُبٍ قديمة كلاسيكية” ذكَـرَت فيه كاتبةُ الصفحة الأَدبية أَلكسندرا آلْـتِـر مؤَلَّفاتٍ خرجَت عن قانونية حقوق الناشر، بينها “نبيُّ” جبران. جاء في مقالها: “قبل نحو قرن (1923) أَصدَرَ الناشر أَلفْرِد كنوف كُــتَــيِّـــبًا نحيلًا من الـحِكَم الرُوحية عنوانُه “النبيّ” لكاتبٍ لبناني أَميركي مغمور اسمُه خليل جبران. كان قليلَ التَوقُّع من رَوَاجه فلم يَطبع منه سوى 1500 نسخة. لكنَّ الكتاب راج بسرعة، وَغَدَا مع السنوات بين أَشهر كتب الدار حتى بلغ 9 ملايين نسخة في أَميركا الشمالية وحدَها. ومع مطلع 2019 أَطلقَت الدارُ الكتابَ إِلى “الـمُلْك العامّ”، عمَلًا بقرار الكونغرس حفْظَ حقوق الطبع والنشر حتى 95 سنة حدًّا أَقصى”.
مبروك لجبران، في غيابه الأَسطع من حُضُورٍ، صُدورُ هذا الخبر. وهنيئًا لقُراء جبران والباحثين والناشرين هذا “الإِطلاق”.
ماذا يعني هذا الأَمر؟
يعني أَنْ لا تَـحَفُّظَ قانونيًّا، بعد اليوم، حيالَ الناشر وحقوقه.
ويعني تَحَرُّر الكتاب من ناشره الأَصليّ، وانطلاقَه إِلى أَيِّ ناشرٍ يُعيد طباعته، مع الأَمل أَلَّا تكون الطباعة كما نراها لدى ناشرين تُجَّار أَصدَروا كُتُب جبران العربية والـمترجمة بِأَسوَإِ طباعةٍ وأَسوَإِ إِخراجٍ وأَسوَإِ أَغلفةٍ عليها وجهُ جبران يُشبه كلَّ الناس إِلَّا جبران، كما في طبعاتٍ استباحَت من زمانٍ حقوقَ الطبع والنشر، وأَصدرَت الكتاب بأَشكال سيِّئَة متسرِّعة لا تليق بجبران ولا بكتابه الخالد.
ويعني هذا الأَمرُ انخفاضَ ثمن الكتاب لانخفاض الرسُوم على دفع حقوق النشر.
ويعني استثمارَ الكتاب في مَسالكَ أُخرى من وحي النص، بين كوريغرافيا ومَسرَحَة وسينما وأُوﭘّــرا وباليه واقتطافات ورسوم ومعارض لوحات واستنباطِ أَعمالٍ أَدبية منه أَو موسيقية أَو لَـحنية.
ويعني حريةَ إِصدار الكتاب نصًّا كاملًا بطبعةٍ إِلكترونيةٍ تُسهِّل قراءَته على الشاشة: لوحِها الذكيِّ أَو هاتفِها الجوَّال أَو جهاز الكومـﭙـيوتر الثابت.
إِنها إِذًا منصَّاتٌ جديدةٌ تنفتح أَمام “النبيّ” إِصداراتٍ جديدةً لـناشرين آخَرين يختار القارئُ أَفضلَها طباعةً وإِخراجًا وثَـمَنًا، وترجماتٍ جديدةً (على أَن تكون بـمستواه)، ونقدًا مع نشْر النص الكامل أَو مقتطفاتٍ منه، ودراساتٍ مفتوحةً على تَناوُل النص من جوانبَ عدَّةٍ بعضُها لم يُكتَشَف بعد.
تعليقًا على خبر “نيويورك تايمز” قال جيمس وِسْت (كاتب أَميركي معاصر، أُستاذ الأَدب الإِنكليزي في جامعة ﭘــنسيلـﭭـانيا): “الكتابُ، أَساسًا، من حقِّ القارئ. وها حقُّه يذهبُ إِليه بدون قيودِ الإِذْن، وشُروطٍ كانت لفترةٍ طويلة تَـحمي حقوقَ التأْليف والنشر معًا”.
إِذًا: ماذا يعني هذا الأَمر؟
يعني أَن “النبيّ” بات “ملْكًا عامًّا”، على أَلَّا يتحوَّل “سائبًا عامًّا” أَو “حَلالًا عامًّا” فيُصدِره كلُّ مَن يدَّعي حرفة النشر وهو يكون بيَّاع كتُب، أَو طبَّاعًا لم يـبـلُغ بعدُ شرَفَ أَن يحمل صفة الناشر.
هـنـري زغـيـب