في تقريرٍ تَحذيريٍّ أَصدرَه “الصندوقُ الدولي للحياة البرية” قبل أَيامٍ أَنَّ “كائناتِ الحياةِ البريةِ في العالم هَبَطَت إِلى 60% في العقود الأَربعة الأَخيرة، بسبب ازديادِ التلوُّث والتصَحُّرِ وقطْعِ أَشجارِ الغابات والتغيُّرِ الـمناخيِّ وأَذيَّاتِ يدِ الإِنسان”.
وعدَّد التقرير نحو 4000 نوعٍ من الطيور والأَسماك والحشَرات والثديِّـــيَّـات والزواحف آخذةٍ في الانقراض تدريجًا منذ 1970. ويرى المدير العام للصندوق ماركو لامبيرتيني أَنَّ “هذه الظاهرةَ الخطرةَ غيرُ مسبوقةٍ في التاريخ بسرعة تَدَهْوُرِها في أَربعين سنةً فقط هي أَقصرُ من رفَّةِ جفْنٍ في تاريخ الحياة على كوكب الأَرض، ونَـحن مُـمعنون في تدميره بوسائلَ حديثةٍ كما كان يفعل الإِنسان الـهمَجي قبل 20 أَلف سنة”.
وعن مديرة الصندوق التنفيذية في المملكة المتحدة تـانـيـا سْــتِــيــل أَننا “أَول جيلٍ يعي أَنه يدمِّر كوكبَنا، وآخرُ جيلٍ يَـمكنُه أَن يُنقِذَ الكوكب من التدمير”.
من مظاهر هذا التدمير أَنَّ “نسبة اختفاء الأَنواع النباتية والحيوانية هي اليومَ 1000 مرةٍ أَكبرُ مما كانت عليه في منتصف القرن الماضي منذ بدأَ الإِنسان يعي ضروة الـحفاظ على الطبيعة، وأَنَّ “الأَرض التي لم يَطَلْها بعدُ أَذى الإِنسان تتقلَّص من رُبع مساحة الكوكب إِلى 10% فقط من مساحاته، وأَنَّ 90% من كائنات البحر في مَعِدَتها موادُّ ﭘــلاستيكية سامَّة وضارَّةٌ مقابل 5% فقط سنة 1960، وأَنَّ الينابيع المرجانية الناضحة بـمياه الشرب تقلَّص نصفُها منذ ثلاثين سنة حتى اليوم.
وتكثُر الأَرقام في التقرير ويكبُر الخطَر مـمَّا يَـجري، ويُلحُّ التنبيهُ على تنفيذ مقرَّرات اتفاق ﭘـاريس المناخي لحماية الحياة البرية من تشويه الطبيعة التي يَــتَّخذُها الإِنسان من تحصيل الحاصل، ومن مُـمتلكاتِه يتصرَّف بها كما يشاء، ويسيطِر عليها كما يَــبــتــغي. من هنا ضرورةُ الإِسراع في إِنقاذ الطبيعة عبْر إِجراءات ما زالت أَبطأَ بكثيرٍ من سرعةِ التدمير الذي يُلحقُه بها البشر.
ويشير التقرير إِلى أَن الحياةَ البرية ليست مُـجرَّدَ “كِيانٍ حولنا” نقومُ بتدمير طبيعته وكائناته، واعين أَو غيرَ واعين أَننا ندمِّر الصحة البشرية العامة، ونُفسدُ الـمآكل، ونُـجفِّف مواردَ الأَدوية، ونُـخلخلُ الاستقرار الـماليَّ العالـميَّ، ونقطع معيشةَ ثلاثةِ مليارات شخصٍ يعيشون من عملهم في الطبيعة على كائناتها البرية والبحرية، مجموعُ حركتهم الـمالية السنوية نحو 125 مليار دولار، وسوف يُـمسُون بدون عملٍ وعيشٍ بسبب انقراض تلك الكائنات.
هكذا إِذًا، وبعيدًا عن الأَرقام والوقائع والأَسماء والتسميات، إِذا استمرَّ تَــوَحُّشُ الإِنسان بِـهدم الطبيعة وانقراضِ كائناتها، فَلْنَتَصَوَّرْ عالَـمًا حولنا بدون تغريدِ العصافير، وأَسرابِ الطيور الـموسـمية الـمهاجرة، ورفوفِ الفراشات، وعسَلِ النحل، وحليبِ الـماعز، وصوفِ الغنَم، وغزْل الأَسماك الـملوَّنة، وسواها من نِعَم الطبيعة وكائناتِها التي لا تُحصى.
ولكنْ، عندئذٍ، بعدما يكون الإنسانُ دمَّر كائنات الطبيعةِ برًّا وبـحرًا وجــوًّا، أَيُّ حياةٍ له بعدُ على هذا الكوكب؟
ولعلَّ السؤَال الأَجدَر يكون: هل، عندئذٍ، يـبـقى الإِنسان ذاتُهُ حـيًّــا على هذا الكوكب؟
هـنـري زغـيـب