حين سمعتُ هذا الأُسبوع على شاشة القناة الفرنسية الثانية (Fr.2) في موجز “أَخبار الساعة الثامنة” خبرًا عن لبنان، شدَّني الانتظارُ إِلى الاطِّلاع على التفاصيل كي أَرى ماذا وكيف يَصدر خبرٌ عن لبنان في القناة الفرنسية الرئيسَة. وإذا بالخبر، نصًّا وتقريرًا ميدانيًّا مُصَوَّرا، عن زراعة الحشيشة في البقاع، وتشريعِها في المجلس النيابي، و”شَرْعَــنَــةِ” زراعتها لــ”أَغراض طبية”.
وذكَر الخبر أَنَّ لبنان الذي يعيش فيه 80% من سُكان سهل البقاع على إِنتاج الحشيشة، قرَّر أَن يشرِّع هذه الزراعة التي كانت حتى وقتٍ أَخير غيرَ شرعيةٍ، محميَّةً من زعماء ميليشيات مَـحلية، محظورةً خطرةً يتخفَّى حاموها كي لا يَطالَـهُم التوقيف، فإِذا المعيار كلُّه يسقُط وتنجح الدولة في امتحانِ أَنَّ الحشيشة “ذهبُها الأَخضر” الـمُدِرُّ على الخزينة اللبنانية ثرواتٍ دسمةً تبلغ نحو 800 مليون يورو في السنة، وهو مبلغ ينقذُ الاقتصاد اللبناني الـمُعاني حاليًّا من هزال خطير.
وفي حوارٍ مع رئيس بلدية اليمُّونة، صرَّح أَن نحو 35 أَلف مزارع في البقاع باتوا يتحرَّكون من دون خشية توقيفِهم، بعدما كانوا مع كل طلعة شمس يَـحذَرون أَن يداهمَهم رجالُ الأَمن ويعتقلوهم. وختم الخبر التلـﭭـزيوني أَنْ أُوكل إِلى وزير الاقتصاد في لبنان ملفُّ زراعة الحشيشة، بِــمراقبة حصادها وتصديرها لأَغراض صحية وغايات طبية استشفائية.
لا أُناقش هنا مفعولَ الواقع وصحة المعالجة الطبية، فلهذه الأُمورِ اختصاصيوها. ولا أشكك في أَيِّ إِجراءٍ أَو تشريعٍ أَو مَفاعيل.
لكنني أَسأَل، كما يَسأَل بَداهةً أَيُّ مواطن: كيف تَضبط الدولةُ هذا الحصاد بعدما بات شرعيًّا؟ وكيف تُراقب الـمَحاصيل، كميةً وعاملين وإِحصاءً وتصديرًا؟ وكيف تفصل بين كمية تتحوَّل إِلى الغاية الطبية، وكمياتٍ باقيةٍ لتصديرِها تهريبًا إِلى لورداتِ مافياتٍ عالميةٍ يَدفعون حتمًا لأَصحاب الكميات أَعلى بكثيرٍ من تعرفة الدولة للغايات الطبية؟ فهل تستطيع الدولة وقْف التهريب وضبطَ الـمُخالفات؟
جميلةٌ على السمْع كثيرًا معرفةُ أَنَّ الدولةَ سنَّت قانونًا صارمًا مُعَلَّلًا مُبرَّرًا معجَّلًا مكرَّرًا وقَّع عليه أَصحابُ السعادة النوابُ تحت قبَّة ساحة النجمة. ولكن، هل مَن يُتابعُ معجَّلًا مكرَّرًا تنفيذَ هذا القانون الـمعجَّل الـمُكرَّر؟ وهل تجربةُ اللبنانيين مشجِّعةٌ مع قوانينَ معجَّلةٍ مكرَّرةٍ يُصدِّق عليها النوابُ الـمعَجَّلون الـمُكَرَّرون؟
صفَّق اللبنانيُّون كثيرًا وهلَّلُوا جدًّا لصدور قانون معجَّل مكرَّر يَـمنع التدخين في الأَماكن العامة الـمُقْفَلة، فهل مطعمٌ في لبنان اليوم إِلَّا والمدِّخنون فيه مشاحرُ تَرُشُّ الموتَ حولَهم على سائر روَّاد المطعم؟ هل ضبَطَت الدولة مخالفات التدخين؟ هل تُوقِف الدولةُ سياراتٍ مُـخلَّعة مُكَسَّرة مهرهرة مرَّت على المعاينة و…”نَـجحَت”؟ هل تضبط الدولة مخالفات السرعة القاتلة وعدمَ وضع حزام الأَمان؟ هل تضبط الدولة فلتانَ المولدات مافياتٍ قويت على الدولة فَشَرْعَنَتْها؟ هل تضبط الدولة صهاريجَ تعبِّئُ المياه من القنوات العامة وتَبيعها للناس؟ هل تضبط الدولة جبايةَ فواتير الكهرباء من مواطنين بالآلاف لا يدفعون فواتيرهم؟
مرة أُخرى: لا أُناقش هنا مفعول الواقع وصحة المعالجة الطبية من زراعة القُنَّب الهندي، لكنَّ الذي يَنفُخ في اللبَن اليوم، ِإنما لأَنه تَلَوَّعَ منه وهو حليب.
وحليبُ الدولة لوَّعَ المواطنين حتى باتوا سلفًا يَنفُخُون مُسْبَقًا على كلِّ لبَنٍ يأْتيهم من “حَـزم” هذه الدولة.
هـنـري زغـيـب