“نقطة على الحرف” – الحلقة 1369
À La Canal
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 22 تـمـوز 2018

كأَنما لا يكفينا ما نعايِـــنُــه على شاشاتنا من دَوسٍ وقِحٍ على منطق اللغة، فلم نَعُد نرى سائلًا في برنامج أَو في الشارع، ولا مُـجيبًا في الستوديو أَو في الشارع، إِلَّا وفي السؤَال والجواب خليطٌ هجينٌ مُقرفٌ من كلماتٍ عربية ولبنانية وفرنسية وإِنكليزية في الجملة الواحدة.

كأَنما لا يكفينا ما نلاحظه لدى بعض المذيعين والمذيعات في نشرات الأَخبار وفي التغطيات الخارجية من تكسيرٍ فاضحٍ مُعيبٍ في قواعد اللغة التي باتت معهم مِسخًا بلا قواعد.

كأَنما لا يكفينا ما نَسمعه ونُشاهده من مسؤُولين وسياسيين ومذيعين وصحافيين يطيحونَ القواعدَ الأَساسية الأُولى للُّغة، ومَـخارجَ الحروف وأُسسَ اللفظ، ويُصرُّون على التصريح بالفصحى وهُم بعيدون عن الفصاحة بُعد الشفافية عن السياسة في لبنان.

كأَنما لا يكفينا هذا التلوُّث السمعيُّ الذي يحاصرنا على شاشات التلـﭭـزيون، وهو يُؤْذي ويُضرّ ويدمِّر أَكثر من التلوُّث البصريّ في الشوارع، والتلوُّث التنفُّسيّ في الأَحياء وشواطئَ تعجُّ بالزبائل والنُفايات والمياه الملوّثة القاتلة.

كأَنما لا يكفينا كلُّ هذا التلوُّث وكلُّ هذا الجو الـمَوبوء حتى خرجَت علينا مذيعةٌ من تلـﭭـزيون لبنان في مقابلة لها مع سفير فرنسا إِثْـر فوز المنتخَب الفرنسي بالمونديال، خاطبَـتْه بلُغةٍ فرنسيةٍ عرجاء عوجاء نكراء بدْءًا من قولها له تعريفًا إِنـــــــها “À La Canal“.

طبعًا لم يُبدِ السفير الفرنسي أَيَّ استغرابٍ أَو استهجان، لكنه حتمًا ابتلَعَ الغلطة الفاضحة وهو يفكِّر بأَن مذيعةً بهذا المستوى الأُميّ الجاهل الرديْء في تلـﭭـزيون فرنسيّ، كانت لن تجد وقتًا لتحمل حقيبة يدها لأَن طرْدَها سيستغرق لا أَكثرَ من ثانيَتَين لتكونَ مصروفةً من العمل مع كل التأْنيب والإِذْلال، لانتهاكها اللغة الفرنسية وهي هوية البلاد.

À La Canal” ؟؟؟ معقول؟؟؟

هذا أَمرٌ غير مقبولٍ، ومؤْذٍ صورةَ لبنان الفرنكوفوني. ولا يدَّعِــيَــنَّ أَحدٌ بأَنّ هذه “غلطةٌ عابرة” لا قيمة للتوقُّف عندها وسْط ما يجري في البلاد، لأَنها تُعادل في فرنسا أَن تقولَ مذيعةٌLe lune  أَو La soleil .

وفي كاريكاتور كلاميّ وصلَني قبل يومَين، تعليقٌ يقول: “وَداعًا يا تلـﭭـزيون لبنان. نلتقي في مونديال 2022“، دلالةً على أَنّ الناس شاهدوا تلـﭭـزيون لبنان، فقط لأَنه حصريًّا نَقَلَ مباريات المونديال، وإِلَّا لَـما كانوا سَهِروا على شاشته.

أَقول هذا، مكسور الخاطر على تلـﭭـزيون لبنان الذي كان من أُولى المحطات في الشرق، ولا يَـجدُ اليومَ من يَهتمُّ به وُينقذُه مـمّا هو فيه: بدون مديرٍ عامٍّ ولا مـجلس إِدارة ولا حتى رواتب، بسبب تَـجاذُب سياسي يُـخيّم فوق مـحطتنا الرسمية التي ما زالت تعمل في أَدنى الظروف المالية والفنية والتقْنية، فنفهم أَن نَـجدَ فيها انْـحطاطًا لدى مستوى بعضِ مَن يعملون فيها، تقديمًا أَو برامجَ، هي التي في تراثها الطويل كنوزٌ من برامجَ قديمةٍ ممتازةٍ لو أَعادت بَـــثَّها لاستقطبَت كثيرينَ من مُتابعي الشاشات الأُخرى.

من كوارث لبنانَ الفنيةِ والإِدارية: إِهمالُ الدولةِ تلـﭭـزيونَها الرسمي الذي، لولا اندفاعُ بعض موظَّفيه طُوباويًّا بضميٍر مهني، لَـهَبَطَ إِلى قعرٍ مُرعبٍ، من بعضِ ملامِـحه أَن تقومَ فيه مذيعةٌ جاهلةٌ بِـمُخاطبة ســفــيــر فرنــســا بـــادئةً حديثَها بــعــبــارة “À La Canal“.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib