“نقطة على الحرف” – الحلقة 1367
الجنون… فنون
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد  8 تــمُّـوز  2018

            طالعتْنا قبل أَيّامٍ وسائلُ الإِعلام ووسائطُ التواصل، بِـخَـبرِ اعتداء “فنّان” على طبيبٍ في أَحد المستشفَيات.

            الخبرُ، في ذاته، ليس مثيرًا. غالبًا ما تقع هذه الحوادثُ وشبيهاتٌ لها في المستشفَيات، ولا مجالَ هنا لتفصيل الدوافع والمسببات.

            غير أَنَّ الـمُثيرَ الغضَبَ في الخبر، إِيرادُ لقب “فنّان” على ذاك المعتدي، أَيًّا تكن الظروفُ التي، له أو ضدّه، دفعتْه إِلى الاعتداء.

          “فنّان” يعتدي بالضرب على طبيب؟ هنا بشاعةُ استخدام وسائلِ الإِعلام ووسائطِ التواصل كلمةَ “فنّان” في نشرها الخبر.

          كأَنْ لا تكفينا أَلقاب همايونية يطلقها مُدَّعو الفن على “شخصهم الكريم” حتى نَقرأَ أَنّ “فنّانًا” يعتدي بالضرب على طبيب.

          كأَنْ ما كفانا أَن نقرأَ عن هذا “الأَديب” أَو تلك “الإِعلامية” أَو تلك “الشاعرة” أَو ذاك “الشاعر” أَو هذا “الفنّان المبدع” أَو تلك “الفنّانة الخلَّاقة”، حتى لم يَــبْـقَ مواطنون لدينا كي يستمعوا ويستمتعوا بإِبداعات هؤُلاءِ الـمُدَّعين الـمتنطّحين على المنابر والمسارح والشاشات وصفحات المجلات الفنية غِلافاتٍ وريــﭙــورتاجاتٍ وصُـوَرًا و”ﭘـــوزاتٍ” إِكرامًا لــ”الجمهور الحبيب”.

          كأَنْ ما كفانا تفقيسُ البرامج التلـﭭـزيونية أَشباهَ “فنّانين” و”فنّانات” و”مغنّين” و”مغنّيات” و”راقصين” و”راقصات” و”موهوبين” و”موهوبات”،كي يضاف علينا “فنّان” يعتدي بالضرب على طبيب.

          أَكان ضروريًّا من وسائلِ الإِعلام ووسائطِ التواصل أَن تُغدق على ذاك المعتدي لقب “فنّان”؟

          “فنّان”؟؟؟؟ وهل بهذه السهولة والمجانية يقال لأَي فلان إِنه “فنّان”؟

وأَيُّ فنّان هو هذا الذي يعتدي على طبيب؟ وفي أَيِّ فن من الفنون إِبداعُه العبقريّ؟

          الرسام فنّان. والشاعر فنّان. والنحات فنّان. والراقص فنّان. والممثّل فنّان. والمخرج فنّان. والموسيقيُّ فنّان. والـملحّن فنّان. والـمطرب فنّان. وأَقول “المطرب” فنّان، ولا أَقول “المغنّي”، فليس كلُّ من يَنْكُبُنا بصوته الأَجشّ يصبح “فنّانًا”. المغنُّون كثُرٌ لكن المطربين قلائل. ليس كلُّ مُغَنٍّ يستحقّ أَن يكون مطربًا. وليس كلُّ من دنْدنَ على آلةٍ يستحقّ أَن يكون مؤَلِّــفًا موسيقيًّا. المطرب هو المبدع المجدّد. المغنّي ليس سوى المؤَدّي.

          لذلك: وديع الصافي مطربٌ وليس مُـجرَّدَ مُغَنٍّ كمئات مَن يغنُّون. وعاصي الرحباني فنّان وليس مُـجرَّدَ ملحّنٍ أَو موسيقيّ.

          ولذلك، مَن لم يكن من مستوى وديع الصافي أَو عاصي الرحباني، ممنوعٌ أَن يستحقّ لقَب مطرب أَو فنّان، كي لا يَصدر في الإِعلام أَنّ هذا “الفنّان” اعتدى بالضرب الوحشي على طبيب.

          علامة الفنّان: الرهافةُ، الذوقُ، الإِحساسُ العالي، التهذيبُ، الاحترامُ، قبُول الآخَر ناقدًا أَو مناقشًا، حُسْن التعامل مع الآخرين، كي يحترمَه جمهوره ويَطرب له ويُصغي إِليه. أَما هذا الذي ينهال بالضرب الوحشي على طبيب، فلا يستحقُّ شرف الفن، أَيًّا يكن نوع فنه على الإِطلاق.

          والكلامُ هنا موجَّـهٌ مباشرةً إِلى وسائل الإِعلام ووسائط التواصل، أَن تكفَّ عن استعمال لقب “فنّان” أَو “مطرب” أَو “إِعلامية” أَو “أَديـبة”، استعمالًا عشوائيًا مجَّانيًّا اعتباطيًّا غيرَ مسؤول. كفانا ما يَغرق فيه الوطن من أَلقاب ومُلقِّبين ومَقلوبين ومَلبوقين في السياسة وفي الفن، ولسنا أَبدًا في حاجة إِلى أَلقاب مجّانية هوائيةٍ تُعطى لأَيّ نكرة، خصوصًا إِذا كان لقب “الفنّان” مرتبطًا بــ”واحدٍ” يعتدي بالضرب الوحشي على طبيبٍ في قلب مستشفى.   

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib