صورتان في تشويه واحد:
الأُولى انسحابُ الروائيّ الأَميركيّ جونو دياز من مهرجان الكتاب في سيدني، عندما واجهتْه أَكثر من سيّدة بمحاولة التحرُّش الجنسي حتى اضطُرّ إِلى مغادرة أُستراليا بــصورتِهِ مُشَوَّهَةً بعدما نصَّعتها جائزة ﭘــوليتزر للرواية (نالها سنة 2008).
الصورةُ الأُخرى: حجْبُ جائزة نوبل للآداب 2018 إِثْـرَ فضيحة تحرُّش جنسي كشفتْها ثماني عشْرة سيدة عن الـمُصوّر الفوتوغرافي الفرنسي جان كلود آرنو، وهو زوج الشاعرة السويدية كاتارينا فْــرُوستِــنْــسُــون، وهما أَسَّسَا مركزًا ثقافيًّا خاصًّا سَرَّبَا منه مُسْبَقًا أَسماء فائزين بــ”نوبل” قبل موعد إِعلانها الرسمي، وهذه نقيصةٌ لا تقبلُها الأَكاديميا السويدية. لذا سارع رئيس الحكومة السويدية ستيفان لوفن إِلى الإِعلان أَنّ “هذا الحدث السيّــئ يشوّه الصورة الناصعةَ لـلأَكاديميا الموثوقة التاريخ، ويَـمَس بصورة السويد وهَيْبة الدولة، لذا نطلب من أَعضائها أَن يُعيدوا إِليها احترامها وصورة الثقة بها”.
أَتجاوَز نوع التُهمة بشِـقَّــيْــها الجنسي والتسريبي، لأَبْلُغَ جوهر الموضوع: الصورة الناصعة. فمعرض سيدني حدَثٌ أَدبي كبير، و”نوبل” الآداب حدَثٌ كبير. لذا تردَّدَت مضخِّمةً عيبَها فضيحةُ تشويه الصورة. ذلك أَنّ فردًا واحدًا، في لحظاتِ طيش ومراهقة ونَزوة، أَو لغايةٍ ومصلحةٍ شخصيةٍ أَنانيةِ، يُشَوّه صورةً أَدبية وطنية عالـمية إِنسانية، ويهدّد صورةً وطنيةً عبَّـر عنها رئيسُ حكومة السويد.
النفعُ الخاص يسبّب الضرر العام حين تنكشف الفضيحة. فعلامةُ الدول الرصينة – وهي لا تُـميّز بين مواطن مغمور وآخَر مشهور – أَن يكون المواطنُ مستقيمًا، صادقًا، شفّافًا، نقيَّ السيرة، حائزًا ثقةَ الناس، حتى إِذا تولَّـى منصبًا سياسيًّا نظروا إِليه مرجعًا وطنيًا، وإِذا نال شُهرة ثقافية أَدبية أَو علمية أَو فنية رأَوا إِليه نَـموذجًا للنجاح.
من هنا سعْيُ الدول دومًا إِلى تعيين مَن هُم جديرون بالثقة، في مسؤُوليات وطنية أَو حكومية أَو إِدارية عُليا، والتفاتُـها تقديرًا مَن يرفعون من مستواها بين الدوَل، ويلفتون إِليهم انتباه العالم.
هي الفضيحة إِذًا تكشف الـمـستور وتستدعي الـمحاسبة. والخطورةُ في النظرة الدونية إِلى دولة فاسدة أَو فاشلة، هي أَن يرى العالم في هذه الدولة مناصبَ المسؤُولية أَو الحكومة أَو المجلس النيابي مَن يَـحملون فضائحهم كلّ يوم، ويذهبون بشكل طبيعيّ إِلى مكاتبهم ومسؤُولياتهم، لا جفْن لهم يَرفّ من عار، ولا يأْبَـهون لـمحاسبةٍ يعرفون أَنْ لنْ يقومَ بِـها شعبٌ اعتاد الخنوع والانكسار والتصفيق الببَّغاوي لِـمَن في الحكْم، فتنقلبُ فضائحُ المسؤُولين بُطولات، وفضائحُ التقصير رُجُولات، والصورةُ الـمُشَوَّهة ناصعةً في موشور.
طبعًا: لا علاقة لأَحدٍ بحياة المسؤُولين الشخصية. إِنما حين يَـخرج الـمَسؤُول إِلى العمل العام، تُصبح حياتُه الشخصية عامَّةً هي أَيضًا، وتاليًا عليه أَن يُـحافظَ على صورته أَكثر بكثيرٍ من مُـحافظتِه عليها قبل خروجه إِلى الشأْن العام.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib